"كان الصيف قد ولّى وأعقبه الخريف، وهو ربيع بلادنا. انقضت نشوة النيل في ضمته لمصر من فرعها إلى قدمها، وتخلت ذراعاه عن الحياض، ورقد مستكيناً في مجراه، وكانت السماء صلعاء في الصيف، فأخذت تتزين بثيابها الحمر عند كل غروب، وانقلب الطين الرايب إلى بساط سندسي." من المجموعة القصصية 'أم العواجز' للراحل يحيى حقي 🇪🇬
لا يحتاج يحيى حقي إلى مقدمات، بل إن تطور فن الأدب في مصر هو الذي يحتاج إلى يحيى حقي كي يشرح قصته ويقدم حجته. وفي هذه المجموعة التي تضم قصصاً كتبها حقي في مراحل مختلفة من مشواره، يزج بنا الرجل في معترك الصراع الداخلي الذي عادة ما يعصف بنا من وقت لآخر مؤججاً مشاعر الخوف والحقد والفشل وغيرها من الأعراض التي تنال من العزائم وتثبط الهمم.
اختار حقي شخوصاً تبدو نمطية ومألوفة إلى حد السأم، إلا أن قدرته على تصوير التحول الذي يعتري النفوس إزاء المصاعب والتحديات التي تواجههم هي ما يجعل من كل قصة أمثولة جديرة بالتأمل في أحوال البشر وهشاشة صيرورتهم. هنا، جزالة اللغة لا تضعف طاقة السرد وبناء الشخصيات لا يتجاوز ما هو عابر وحائل، وهو ما يليق بالقصة القصيرة روحاً ونسقاً.
حقاً، يحفظ لنا أدب حقي وجيله ذاكرة وطن لم نعرفه وظرفاً إنسانياً لن نختبره أبداً بعد أن طواه الزمن.
#Camel_bookreviews