كان لقائي الأول مع كتابات الروائي والمهندس إيهاب راتب مع آخر عمل صادر له وهو المجموعة القصصية شذرات من نصيب، مجموعة قصصية حوت بين دفتيها ثماني قصص قصيرة، تنوع وتباين أبطالها ما بين إناث وذكور، من مختلف الأعمار.
بدأها بقصة سكر زيادة وسيجارة التي دارت أحداثها داخل حجرة تنفيذ حكم إعدام في إبراهيم الذي أزهق روح بريئة، فكان يلزم القصاص، لكن لم يتم إلا بعد إلقاء عرضه الأخير على مرأى ومسمع من جمهوره الفريد جدًا من نوعه!
أما القصة الثانية الفاخورة، فكان سيد بطلها في البدء، إلا أنه انتقل للظل خلف الستار بعد توالي النكبات عليه من هدم قمينته، رأس مال مهنته كفخاري يملك قمينة لحرق الطمي الأسواني ومن ثم تشكيله، وبعد أن تراكم هبابها في رئتيه ليصاب بسرطان أرقده عن العمل واستهلك عافيته لتتراكم الديون على زوجته زينب التي تنتقل بدورها إلى دور البطولة ويقبع هناك شيطانًا، وما أن يراها في محنتها إلا ويوسوس بفحيح في أذنها ليعرض تقدمته للمساعدة، ليبقى الأمر قائمًا على اختيار زينب!
وفي قصته الثالثة، خمسة رجال وستة عشر لونًا ، ينتقل بنا نحو قطاع السياحة، ذاك القطاع الهش، ونظرا لهشاشية العمل في مجال السياحة في مصر والتي دومًا ما تتأثر بأي عامل قريب كان أو بعيد إرهاب أو وباء أو أزمة اقتصادية، لذا فيستلزم أحيانًا خفض التكلفة والنفقات بالمنشآت السياحية وتقليل العمالة بالفنادق ومن كان سعيد الحظ سيبقى فى العمل وإن كان في موضع أقل وبراتب أقل إلا أنه في النهاية يضمن عملًا ودخلًا ثابتًا حتى وإن كان أقل مم اعتاد عليه.
هكذا كان نصيب شادي الذي انتقل من العمل في المكتب الأمامي في استقبال فندق شهير وكان يتقاضى أعلى راتب بين زملاءه لكن حاجة العمل انتقل اضطراريًا على غير رغبته إلى العمل بصالة البلياردو بذات الفندق!
أما في رابع قصص المجموعة، والتي تحمل عنوان جذر من نار، فتناول فيها قصة متلصص نكرة!
سمح لنفسه باصطياد فرائسه بطعم أسال لعابهم، فقادهم الطمع في التهامه واستغلاله إلى الوقوع في شباكه وبراثنه ومن ثم كشف الوجه الآخر، غير المرئي، والذي كان في الغالب يختلف كليًا عن القناع الذي أرتداه صاحبه ليخدع الجموع من حوله.
لكن هل ينال الراحة! هل يفوز بسكينته!
أما القصة الخامسة التي أسماها المغدورة، فقد انتقل بنا إلى عمارة الحادثة، لإخلاء شقق العمارة قبل هدمها من كل ما كان يسوى قيمة مالية؛ فيتم خلع الشبابيك والأبواب ومقابض الأبواب، واللوحات وما إلى ذلك، لذا، فكنا بصحبة شابين قد لجأ إليهما الحاج سيد ليقوما بما يجيدانه في وقت قليل.
وهناك يتعرفا على المغدورة ساكنة شقة ٧ بالطابق الثالث في عمارة الحادثة وطيفها الذي يجول ليلًا منتهزًا فرصة أن يحصل على من يسترد حقه!
لم تقتصر قصص المجموعة على القاهرة الكبري وضواحيها، فقد توجه بنا في أحداث سادس قصص مجموعته إلى سانت كاترين ومدينة دهب الساحرة بطبيعتها البكر لنرتقي سويًا جبل موسى ونعتلي قمته بصحبة سلمى في قصة سبعمائة وثمانون درجة حجرية.
ففي رحلة صعودها لقمة جبل موسى لتشهد شروق الشمس وهي تبزغ من جديد لتسربل سماءنا بوهج وضاء إلا وأتت بردة فعل قوية مع باهر، فلم تكن هي نفسها تدرك أنها تستطيع أن بإمكانها فعل هذا مع كل الإنهاك الذي أصابها.
وفي قصته العوز وهي القصة قبل الأخيرة بمجموعته السخية
نتعرف على محمود وأسرته الصغيرة
محمود أب اضطر لدفع ثمن دقائق قليلة اختلسها ليغفو قليلًا في المسجد، فنسى المفاتيح على مكتبه ليختلس السارق من عهدته ما يجعله مدين يحمل ثقلًا في رقبته، ليعصي إرادة والده للمرة الأولى، إلا أن القدر يمهله دقائق أخيرة ليعلم أن تعجله لم يكن في محله.
وتنتهي مجموعته بانتهاء العالم حيث نصل سويًا لآخر أيام البشرية، ففي قصة خَمْرٌ وَصَلَاةٌ وَزُهُورٌ، تناول الكاتب آخر يوم في عمر البشرية وعمر الحياة على هذا الكوكب التعس، ترى كيف ستمر الليلة الأخيرة من الحياة؟!
مجموعة قصصية كما اتسمت بالتنوع فإنها اتسمت بفصحى سلسة بمفردات واضحه ومعبرة غير مقعرة لزوم التباهي، جمعت فيما بينها شذرات من نصيب أصحابها منتهية دومًا بهذا التعبير الصادق
❞ لا أحد يأخذ غير نصيبه… وفي النهاية سنقف بين يدي الكريم! ❝
حوت بين سطورها اقتباسات مؤثرة وذات قيمة، دعوني أشارككم بعضها:
* ❞ نحن لا نهمل حدسنا أو مشاعرنا، فهي ما تميزنا كبشر، لكن الأدلة والقرائن هي الفيصل في أحكامنا وإلا خضعنا للهوى❝
*❞ فهل نحن صرنا مثلنا مثل تلك الكرات التي لا تملك من أمرها شيء، نكزه خفيفة بيد من يملك المال أو السلطة تقلب حياتنا وتغير مسارها أو تغير مسار آخرين في طريقنا ❝
* ❞ حالي لا يختلف كثيرًا عن مباريات كرة القدم حيث يتحمل المدافعون فيها العبء طوال الوقت، ولكن خطأ ساذجًا وحيدًا، قد يؤدي إلى خسارة المباراة، بينما المهاجمون لا يكترثون بعدد المحاولات الفاشلة، فالمهم هو نجاحهم ولو لمرة واحدة في مراوغة كل المدافعين وإحراز الهدف، فيُحملون على الأعناق. ❝
* ❞ هالني هذا التباين ما بين المنطقة الراقية التي يقبع بها الفندق بمنازلها الفخمة وشوارعها المنظمة، والتي تشعرك أنك في أكثر مناطق العالم تحضرًا، وما إن تمر دقائق تغص السيارة في أعماق المدينة المتهالكة ما بين منازل مكتظة بسكانها، وشوارع ينصهر فيها البشر مع السيارات والحيوان في خليط غير متجانس ولكنه وجد شكلًا من أشكال التعايش. ❝
*❞ لِمَ يجب دائمًا على الأبرياء دفعُ ثمن أشياء لم يفعلوها؟ ❝
* ❞ لقد كنا نخاف أن نعيش أو نستمتع بالحياة، نخاف من السلطة، نخاف من الناس ونظرتهم لنا، نخاف من الغد، لكن اليوم ليس هناك غد نُسألُ فيه عن تصرفاتنا، فماذا عساه أن يخيفنا؟ دعنا نستمتع بتلك الحياة حتى لحظاتها الأخيرة. ❝
* ❞ يلجأون اليوم إلى الله الذي لم يعرفوه قط! منهم مَنْ كان يتجبرُ على البشر، والآخر أكل حقوقهم، وغيره خان أمانته، ومنهم من دنَّسَ حرماته، والقائمة تطول… لا تنتظر من الخائف أن يصدح بالحقيقة، هو يبحث فقط عما ينجيه. ❝
* ❞ نحن نعلم منذ أن ولدتنا أمهاتنا أننا سنرحل يومًا ما، فما الفرق إذن بين أن نموت في فراشنا أو بفعل نيزك أو لأي سبب آخر؟ المهم عند الرحيل أن أكون قد قمت بما يُسرتُ له، لعل الآخرة تكون أفضل من الأولى❝