#ريفيوهات
"الاحتلال......ذات في ذوات"
-شجعني في البداية-فضلا عن قصر حجم الرواية- النقاش العام حول التجربة التي كانت عماد روايات الكاتبة آني إرنو، التي كما قال المترجم الفضائحية نوعا ما، إذ أنها في رأيه ورأي الراوية نوع من المداواة، بتشريح الذات مقدمة للقراء لعلل كثيرة منها مساندة للذين ربما يرون أنها تتشابه معهم، كما قالت أن كل المعاني والتشبيهات المعتادة كانت تعاش ذات يوم، وبالإضافة إلى أن المسلك لا يعد وليد تلك التجربة فحسب، ففي كتاب الكاتبات والوحدة للكاتبة نورا ناجي نرى معاناة إيلينا فيرانتي مع البنوة الممزقة والأمومة المشتتة"باعتبارها" يشار إليها ولو بشيء بسيط في رباعية نابولي مثلا، وكذلك معاناة إيمان مرسال في كتابها "كيف تلتئم-عن الأمومة وأشباحها" وقبل كل ذلك معاناة الكاتبة ذاتها الموزعة بطريقة حرفية في أعمالها، فضلا عن أنها أيضا لا تقتصر على جنس بذاته.
--لاشيء وفيك كل شيء "وعاءيات فارغة"
-من وصف الراوية على طول الحبكة القصيرة ربما نفهم علة حالة اللامرئي التي وصفتها، والظاهر من حساسيتها الشديدة والتي تسهل عليها فتح الذكريات بمجرد المرور من جادة أو مشاهدة فيلم، ورسم ملامح لشخصيات كحبيبة "w"، حتى ارتياحها فيما بعد، والتي ترينا مرحلة العادية أو الارتكان باللحظة السعيدة أو الطمأنينة بأنها كفرد يستطيع أن يكون مبادرا ولا ملامة عليه طالما كان في قوقعته او بيته، إلى أن تأتي لحظة رد الفعل، وهي الاستغناء وصنع البديل، وهنا نرى حالة الخواء أو العمى "كما في قصيدة خارج الأبواب من ديوان بيتي له بابان لفاطمة قنديل" وهي ما يجعل النفس بحساسيتها للأمور "كما في قصيدتي ضجة ومانجو من نفس الديوان" تصنع قرين آخر هو ذاتها لكنه بطريقة التأويلات، وبما أن المرء يخاف مما يجهل ويعاديه، يبتلع الذات الأصلية أو تتقمصها وفق ما أرادت، فتتصارع ببنها وبين ذاتها المبتلعة إلى حين
-وربما ذلك ما يعيدها لنقطة "الرعوية" أو التصرف البدائي، بالاندفاع حينا "في السب أو نية القت.ل أو قراراتها عموما" أو بالتفكير في تساهل القانون في شأنها أحيانا أخرى، أو حتى بالاكتفاء بإثارة الرعب في نفس متصليها، إذ أن بوجود القرين وتهيئته لأن يكون مميزا، جعلت تصرفات ما بقي من الذات شبه طفولية خالية من أي معنى لو نظرنا إليها من بعيد
--ليبيدو مشوش "أزمة نمر صاحب"
-ما يجعل أزمة الراوية تعادل أزمة نمر صاحب في رواية امرأة تجهل أنها امرأة بأن معانتهما "سواء رئيفة أو w" تاتي من الخارج، كما يشتركان في العادية "لو ركزنا على اتباعه لفهيم الليث واستدعائه الدائم لكلام أبوه" والانفصال عن الزمن أو معارضته "في نسيان الكاتبة لأحداث ما بعد ٢٠٠١ ونعت نمر بالزمن بأنه غريب"، فهما أيضا يشتركان في أن المعاناة الخارجية هي سبب ذلك، بل ويحملانها بالمراوغة البائسة "كاعتبار نمر رئيفة بكونها مديرة أعماله، أو إعادة سماع الراوية لأغنية I will survive بكونها أستحق العيش"
-وصولا إلى العلاقة الحميمية، وتخييلها الدائم رغم بعد منالها ووصف كل منهم لما يهواه من تفاصيل التفاصيل، أو لحظة التشويش التي لا تصنع سعادة كلعبة مناسبة للهرب، بل ازدياد الألم "في بكاء نمر صاحب مثلا"
--العودة للأم
-يظهر من وصف الراوية لرفيقة w، أو تندرها بسنها الكبير وبعده وصف التكامل بينهما، فكرتان، أولهما هو جزء من التأمه المذكور في قولها، بأنه مشبع بعقدة أوديب مثلا "نظرا لعلاقة أبيه سيئة السمعة" وتلك هبة من هباتها، ومنها ننظر للراوية بأنها تشاطره العقدة
-والكيفية هي باعتمادها على القلق كوقود دائم رغم وجود ما يدفع للطمأنينة بعلل منطقية واضحة، لكنها لا ترغب فيها وترغب بجلد ذاتها، وتشبه في ذلك اسطورة الثعبان "الختان" لدى سكان استراليا الأصليين"المذكورة في كتاب البطل بألف وجه لجوزيف كامبيل"، إذ يعتبر الختان عندهم بمثابة الاندماج مع الواقع والدخول لعالم الكبار وكذا حالة الراوية، ويعتبر فكرة الألم "سيأخذ الثعبان الكبير قطعة من جسدك" هي حالة الألم التي تعقبها تلك الأسباب، ثم الاحتماء بالأم يشابه شعورها المستمر "اذ أنها اعتادت الاحتلال على فكرة التعرض للعالم بصورة أدنى"
--مشيرة الراشدة
-لا أخفي إعجابي برواية كاتيوشا لوحيد الطويلة، والتي برعت هنا في نقل احساس لذات مختلفة، عن الغيرة وطريقة التشكيك وتقريب الدوائر وبعدها، إلا أن في الرواية تستعر "مشيرة" بنار ممتدة، وهنا تفهم الراوية -رغم شعورها باللامرئية- أن ذلك تجسيدا لتلك المشاعر وجعلها ملموسة ليتم مواجهتها.
ملاحظة : لم تعجبني الترجمة بشكل كبير، من بعض كلماتها الثقيلة إلا أنها نقلت بواعث الكاتبة إلى حد كبير، وأرتنا في المقدمة فكرة مشروعها التي تنضوي تحت عبارة لعنايات الزيات "كل شيء يبدأ من المقبرة" وهنا في نظري يقصد بها الكتابة التي تميت المشاعر المستعرة في السطور ثم تجعل المرء أكثر خفة ببداية جديدة