كم من أوهام صنعناها، أدمنا العيش فيها، أحطنا بها عالمنا، وأضعنا العمر في الجري تجاهها، وكانت سراباً! الوهم هنا لم يكن فقط وهم الشخصية الرئيسة، كل شخصية صنعت وهمها، وأفنت فيه عمرها، وكان سبباً في دمار الواقع وتسربه من بين أيديهم، وهم السيطرة والنفوذ (إشراق)، وهم السعي لإرضاء الجميع (جلال)، وهم السعي للفوز في معركة لا طرف ثاني فيها من الأساس (وداد)، وهم الحب الأول من طرف واحد (حسن)، وهم الانتقام بالتمرد (شريف)، وجمع ياسين بين كل الأوهام!
"لكم تمنى متعلقاً بالوهم البائس في ثنايا عقله أن لا يعدو الأمر كونه مجرد كذبة اختلقتها بعقل مريض"، ومن منا لم يتمنى في لحظات يأسه وإحباطه أن تكون مشاكله ومصائبه -أياً كان حجمها ونوعها- مجرد وهم كابوس سيستيقظ منه في أقرب وقت؛ ليجد أن كل شيء حوله بخير وأن أي مما حدث لم يكن واقعاً؛ فيهرب من هذا الواقع بوهم التمني.
"هل ترددت لبرهة قبل الإجابة؟ هل رواد التلعثم حروفها حين نطقت بالاسم؟" بحدس أُنثوي ما ربما أدركت ما انتوت فعله، وما أضمرته في نفسها، وزاد يقيني حين "تردد الأب قبل إجابتها وهو ينقل بصره سريعاً في حين جاوبتها الأم دون تفكير"، وتأكدت حين "بشيء من الألم تأوه ياسين الطفل ابن الثمانية أعوام وهو يستقبل قطعة ثلج كبيرة ضغطت بها فوق صدره"، وفي صفحة 225 صفقت لنفسي، لا أدري إن كان هناك قارئ آخر أدرك الأمر منذ البداية مثلي، ولكني أسعد بنفسي عندما أشعر أنني عبقرية زماني وأستطيع إدراك الأمور وحدي.
نادراً أو ربما لم يحدث أصلاً من قبل أن بكيت عند قراءة عمل أدبي، أبكي عادة في الأفلام والمسلسلات وأنا أرى الأمر مجسداً أمامي، لكنني لا أذكر أنني بكيت أثناء القراءة من قبل، على الرغم من ذلك بكيت طويلاً لعسلية وهو يسترجع قصته، وليس مرة بل مرتين، فبعد انتهائي من قراءة الرواية أعدت قراءتها ثانية، وهذا أيضاً لا يحدث عادة؛ فأنا لا أعيد قراءة الكتب ولا مشاهدة الأفلام، حتى أفلام شاه روخ خان لا أعيد مشاهدتها، وفي المرتين بكيت في نفس الموضع.
على الجودريدز كان غلاف الرواية مغايراً للغلاف الذي بين يديّ، وأظن أن ذاك الغلاف كان أكثر تعبيراً، ربما صورة الغلاف الحالية كان الغرض منها تجسيد شخصية الفتاة ولكن لم أراها معبرة لا عن الفتاة وشخصيتها ولا عن الحالة التي رافقت وجودها، بينما صورة الغلاف الأخرى كانت أكثر تعبيراً وتجاوباً مع مشاعر الشخصية من البداية للنهاية "هذا الطير الصغير الأزرق في الأفق من خلف سحب رمادية بدد بجناحه تكاثفها" "طير صغير أزرق لم يكن حراً كما ظن".
رواية #وهم للكاتب #رامي_أحمد
#جولة_في_الكتب #روايات
#مقالات #سارة_الليثي