اقتباسات من كتاب ملهى الرعيان

فالقضاء على الطائر المظلوم وغيره عطل نقل حُبوبَ الَّلقاحِ بين النبات وهي إحدى مهام الطائر في الطبيعة، وتوقفت عمليةُ تكاثُرِ النباتِات وانتشارها ‫ نَدِمَ الرُّعاةُ وقرَّروا إعادةَ ذلك الطائرِ إلى المراعي، ليُسهِمَ في ازدهار البيئةِ من جديد، لأن المُلّاك والرُّعاة قد توالت خسائرهم.

وجدوا شجرةَ السمرة الوارفة والمتفرعة، واقفة بصلابة مادَّةً أغصانها العظيمة لتحمي النبات والطير المستظل بها من حرارة الشمس وقت اشتدادها.

الفصل التاسع: سرُّ الشجرة المشؤومة ‫ اتفق هادي الدليلة وعلي الأعضب ومعهما عدد من الفرسان على السير عند الفجر نحو الوادي لاستطلاع المكان، والتفكير بالسبيل الأسلم لإنقاذ الرعاة والطبيعة في آن واحد معًا وهما يعلمان أن الوقت يداهمهما.

شيمة التي ورثت الطب الشعبيِّ عن والدها، ‫ قد أطلعت الأمير على الكلمات التي كان زيد يهذي بها عن طائر العنقاء، وعن طائر صغير، وعن الخراف التائهة في الوادي ‫ اجتمعَ كِبارُ القبيلةِ في خيمةِ الجلَّابِ وقالَ ناصر الوسَّام: «أما وإن الطيور مستقرة في أوكارها فوق الشجرة ...

المثل البدويَّ: «(قربتك خضراء وقربتي يابسة)، فلديك رؤوس من القطيع وأجر الحطب، أما أنا فلم يعد لي حول ولا قوة» ‫ أشارَ أحدُ الرُّعاةِ إلى توجه الأغنام صوب الوادي، وهي وجهة «مِلَهِّي الرِّعْيان»، فركضَ زيدٌ لكنه قبل دخوله إلى الوادي تراجع خائفًا.

بعد نوم عميق، صحا الراعي زيد مبكرًا على عادة البدو، وشبَّ نارَه وأعدَّ القهوة والحليب الساخن، وتناول قرص بُرٍّ مخبوزًا على الجمر، ثم انطلق لرعي الغنم.

من يعرف هادي الدليلة يدرك أنه فارس محب للطبيعة وكائناتها، ويتجنب إراقة الدماء قدر الإمكان، ولا يلجأ إليها إلا للضرورة القصوى ويحرص على حماية النبات والشجر وليس الحيوانات فقط، لأنه يوقن جيدًا أن صون الطبيعة وضمان ازدهارها يُطيل عمر الإنسان ويوسع رزقه فيها.

في قرارة نفسه، رأى هادي أن الذئب مُحقٌّ في اصطياد الطعام لصغاره، فهذه سنَّةُ الحياة في البرية، وعلى الرعاة أن يبذلوا أقصى جهودهم في حماية قطعانهم من أذى الضواري ودهائها، على أن يُباح قتل المعتدي عند رؤيته يهاجم القطعان والمضارب.

سعد الحطاب وجد أن أغنامه تنقصها سخلة واحدة حين عدَّها بحث عنها في الجوار ولم يجد لها أثرًا، مع تأكده من أنها كانت ترعى قرب أمها الشاة الرمادية وتبين له أن كلبه أبرك مفقود أيضًا توجه إلى هادي الدليلة يخبره أن أحد أغنامه قد فقدت وليدتها.

فسأل الأمير الحاضرين: «هل سمعتم عن طائر العنقاء؟» ‫ قال زيد: «أعرف أنه طائر عملاق» ‫ فردَّ الجلَّاب: «أجل، فقد كان يغطي الأفق بظلِّه، وحين يرفرف بجناحيه يثير غبار الصحراء، وتهب عاصفة تعمي الأبصار!» ‫ صرخ الراعي خائفًا: «حقًّا، أهو كبير إلى هذا الحد؟»

خيمة الأمير منسوجة بزخارف السدو الزاهية الألوان، وقد صنعتها أيادي نساء القبيلة اللواتي لهنَّ باع في غزل السدو الفريد من نوعه وعلى الأرض بُسِط السجاد، وفرشت المطارح حول الخيمة الكبيرة ‫ وتضم الخيمة في المنتصف تكيَّة، وضعت عليها دِلال القهوة العربية والفناجين .

عُرِف عن الوسَّام الدهاء والحيلة، وقد جمعَ ثروته من توسيم قطعان صغار الرعاة. وهو يبطن الضغينة لهادي الدليلة بسبب مكانة الأخير لدى القبيلة.

‫ شدَّ علي الأعضب لجام فرسه الأدهم عائدًا إلى آخر الركب، لينبئهم بالخبر السعيد

قطعت قافلة آل عنان مسافات طويلة، وعانى الرعاة من بُعد المسافة، ونال التعب من أفرادها وماشيتها ‫ طلب أمير القبيلة حمد الجلَّاب من الفرسان، استطلاع المكان الأنسب لحطِّ الرحالِ عن ظهور الإبل، ونصب الخيام للمبيتِ ‫ أما أمير القبيلة ورئيسها فلقب بالجلاب لأنه كان يجلب الإبل والغنم والماشية إلى القبيلة للتجارة.

ترتحل القبيلة كعادتها نحو مناطق حلَّ فيها الربيع، يحدوها الأمل في وفرة الكلأ والماء لمواشيها، ومن ثم تكاثر قطعانها؛ ما يضمن لها رغد العيش، وفي أن تنعم بنسمات الهواء العليل، وتنصب خيامها في المروج المزهرة ‫ وحرفة الرعي التي توارثتها القبيلة ليست سهلة.