تتحول عناصر البيوت في كتاب "دقّة قديمة" لمحمد مستجاب بفِعل سيمياء الحميمية إلى كائنات مسحورة وساحرة، فتصير السّبرتاية "مايسترو مسك السيرة والثرثرة الأسرية"، والحصيرة "ملكة المجالس المتسعة"، والطبلية "عين شمس البيت وجزيرة تطفو على سطحه"، فتبدو تلك العناصر وكأنها قد صارت امتداداً لأهل البيت وتعبيراً عن حالهم وأحوالهم.
يحدثنا مُستجاب عن الطّشت وعن بابور الجاز والقُلّه القناوي والمنديل المحلّاوي والقُبقاب والنّيش وغيرها من الأشياء التي لم تخل منها منازلنا في الريف والصعيد قبل أن تتحول إلى مجرد ذكريات/أنتيكات للكثيرين، إلا أن أروع ما في هذا العمل هو قدرة مستجاب على النفاذ إلى الحالة الانسانية الناجمة عن تفاعل أهل البيت مع هذه العناصر/الأدوات حُباً ومقتاً وتفاؤلاً وتشاؤماً، فيفرد مساحات للحديث عن التواتر الشفهي والأمثال الشعبية المرتبطة بها، والممارسات الاجتماعية التي تستلهمها، والاستخدامات غير المعتادة التي استحدثها الناس لها، مثل "الإبرة الغشيمة" التي تستخدم لفك السّحر.
أبدع مستجاب عملاً بنكهة مصرية خالصة، ولعله لا يدرك ما في هذا الكتاب من "ترياق" لنوستالچيا المغتربين والمتشوقين دوماً لكل ما هو تراثي وبعيد في مصرنا التي لا تنفذ خزائن تراثها.
أترككم مع هذا المقطع من الكتاب:
"القُلّة…بنت من طين، مليحة، وصامدة تتحدى الانقراض؛ دليل أصل المنشأ وقوة التربية ونظافة ربة البيت وبركتها، وثلاجة الفقراء المنعشة في أيام الهجير شديدة الحرارة." - دَقة قديمة: في مديح بيتنا القديم لمحمد مستجاب 🇪🇬