هذه واحدة من الروايات التي تراهن على البساطة والصدق .. ورصد المشاعر والتفاصيل بحميمية،
في روايتها الأولى ترسم كارولين كامل باقتدار لوحة نفتقد عالمها وتفاصيلها في الكتابة السردية المصرية لاسيما في الوقت الراهن، عن فتاة شابة من أسرةٍ مسيحية في دلتا مصر، كيف كانت حياتهم ومعيشتهم، وكيف يتعاملون في بلدتهم الصغيرة كأقلية، ثم كيف تواجه المجتمع الأكبر بعد ذلك حينما تنتقل تلك الفتاة بطلة روايتها (فيكتوريا) للدراسة في القاهرة، وتحديدًا في كلية الفنون الجميلة، وما يدور هناك بين عالم الفتيات والمراهقات من تجارب ومغامرات، حتى تصل إلى ما يمكن اعتباره بر الأمان!
ربما تبدو الحكاية من بعيد عادية وتقليدية، رحلة فتاة من مدينتها إلى العاصمة، ولكن الفرق الأول المهم هو أنها مسيحية، ربما لم نتعرّف من قبل عمّا تواجهه المسيحية داخل المجتمع، بل وربما لا نعرف الكثير من ذلك المجتمع أصلاً، ويبقى أيضًا أنه كما نعرف فإن ما يصبغ كل حكاية عادية هو ما يمنحه الكاتب فيما من روحه من صدقٍ وتفاصيل حميمة، يجعل ذلك العمل مميزًا بحق، ومختلفًا عن كل ما قرأناه من قبل، بل وما سنقرأه من بعده أيضًا.
.
ولحسن الحظ أننا، ومنذ السطور الأولى للرواية سنكتشف تلك الخصوصية والفرادة، ستأخذنا البطلة مباشرة إلى "صالون" المنزل لتلك الأسرة البسيطة التي تنتمي للطبقة الوسطى، ولذلك تحلم الأم بتغيير غرفة الصالون القديمة تلك، وهو مالم يتحقق إلا بعد الكثير من التغيرات، ولكنها تكون خير بداية كاشفة ومعبّرة عن تلك الأسرة، بل والعلاقات شديدة الخصوصية بين أفراد الأسرة الصغيرة الأم والأب والابنة.
لقطات صغيرة دالة، ومشاهد متتالية عبر فصول الرواية الأربعين (هل قصدت الكاتبة ذلك الرقم) نتعّرف من خلالها على رحلة فيكتوريا وعالمها، وتتقن الكاتبة اختيار المواقف والمشاهد والأحداث التي تعبّر عن بطلتها المسيحية والتي تعكس الكثير من مشكلاتها وأزماتها كأقلية دينية في مجتمع مسلم.
ورغم أن الرواية بفكرتها وبطلتها الفتاة المسكونة بالخوف من المجتمع والتي تواجه على الدوام الكثير من مواقف التحرش والعنصرية، منذ طفولتها وحتى شبابها، إلا أن الكاتبة اختارت ألا تغرق في تفاصيل ميلودرامية لبطلتها، وألا تتوقف عند تلك المشكلات والمصائب التي تتعرض لها البطلة، وإنما عرضت كل ما مرت وتمر به في خط سردي بسيط، بدا على شكل مذكرات حينًا أو استعداء من الذاكرة حينًا آخر، وكأنها تريد أن تقول أن هذه هي الحياة.
.
المقال على موقع الرواية
****