الكشف والبرهان ونقيضه
تأليف
محمد علي شمس الدين
(تأليف)
لم يكن للعرب ما يميزهم على امتداد تاريخهم الطويل، سوى الشعر والقرآن. وهما، لأوّل وهلة كانا على أشدّ اختلاف، وذلك قبل أن يلتفت المتصوّفة المسلمون إلى ما في القرآن من رموز وظِلال خفيّة في تلك الفواتح المعجزة لبعض السُّوَر، مثل «قاف» و «أ ل م» و «أ ل ر» و «ط سين ...» وسواها من سلالم صوتية لموسيقى الغيب.. وإلى القَصَص القرآني الخصب في رموزه وأبعاده، ليصنعوا منها مادة أشعارهم الرامزة وشطحهم الملغز.. وهي نقطة لقاء أو تقاطع كان لا بد لها من أن تحصل من الأساس. فالشعر جُرح من أقدم جروح الغيب. ونحن لا نستطيع أن نغامر ونحدّد له عمراً، كما فعل الفلكيون بالنسبة للأرض والكواكب والمجرّات، ولكننا نستطيع أن نلاحظ من خلال أشعار بعض القبائل البدائية الّتي لا تزال كذلك حتّى اليوم، في غابات الأمازون وبعض الغابات الإفريقية، وفي أماكن أخرى، مثل قبيلة «الماوري» في نيوزيلندا أنّ أغانيهم وهي أشعار شفاهيّة مغنّاة، تصاحبها طقوس في الرقص والسحر، بل إنّ كلامهم موقّع وملحّن وخيالي إلى درجة لا نقيم له مشاركة إلاّ مع الشعر .