متى كانت أخر مرة قرأت فيها رواية تغوص فى عمق الحياة فى صعيد مصر ؟ إجابة هذا السؤال تعود بي إلى زمن ماضي بعيد.
لك أن تتخيل عزيزى القارىء أن أخر عهدى بقراءات من هذا النوع تعود إلى كتابات الأستاذ/ يوسف القعيد. على الأخص أذكر رواية ( أخبار عزبة المنيسي ) ورواية ( الحرب فى بر مصر ) وغيرها. بعد قراءة أول فصل فى رواية ( بيت العدة والكرباج ) وجدت نفسي أتسائل: هذا الكاتب ينتمى إلى مدرسة القعيد بدون شك.
لغة عذبة جداً ، مليئة بمصطلحات ومفردات صعيدية صميمة ، سرد يغوص فى أعماق الشخصية الصعيدية ، حوار باللهجة الصعيدية رغم قلته. كل هذا جميل طبعاً ولم أكن أتوقعه بكل صراحة.
الرواية تأخذنا فى رحلة زمنية كبيرة منذ أيام الملكية وما بعدها تدور فى خلفية الأحداث. المدهش هو أن الرواية رغم صغر حجمها الا أنها نجحت فى تغطية فترة زمنية كبيرة نشعر بها مع تطور الأحداث.
الزمان ليس هو البطل ، البطل هو الانسان وخصوصاً أهل الصعيد والأكثر خصوصية هو المرأة الصعيدية المتمثلة فى شخصية حميدة الزوجة والأم والجدة خضرة التى تمثل الوتد الذى تقوم عليه العائلة.
الرواية تستهدف إبراز دور المرأة الصعيدية بشكل واضح فى حياة أسرتها وأنها على عكس ما تقدمه لنا الدراما من أفكار سطحية ركيكة وساذجة كالمعتاد.
ناقشت الرواية العديد من الأمور مثل قضية الأخذ بالثأر ، الشهامة والنخوة المتأصلة فى غالبية أهل الصعيد ، وفاء الزوجة لزوجها مهما مر بها من أحداث جسام وتحملها للمسئولية وصبرها وجلدها.
أيضاً لا يمكن أن نغفل الرمزية والاسقاطات السياسية الممتدة على مدار الأحداث.
السرد هو الغالب فى الرواية ويحمل الكثير من حديث الذات الذى يكشف لنا خبايا الانسان وما يعتمل فى داخله والصراع النفسي الذى يخوضه طيلة الوقت. هناك أيضاً جانب فلسفي واضح ، ثقيل نوعاً ما سيثير إعجاب محبي القراءات الفلسفية بكل تأكيد ، وأعترف أنى لم استذغه لأنى لست من هواة الفسلفة عموماً.
ما استطيع قوله هو أن الرواية ليست سهلة كما يبدو من حديثى عنها وليست لمن يريد قراءة سريعة يمضى بها الوقت ولا تظن أنك أمام رواية تقليدية. ما بين السطور يكمن الكثير والكثير.