"أحياناً يُصيبني إحساس غريب بالاغتراب، غُربة تضغط على صدري عندما أشعر أن من يحيا حياتي الحالية شخص آخر غيري، له نفس الملامح الجسدية، لكني لا أعرفه، أحيا حياة تخص شخصاً آخر غيري، وكم يبدو هذا ثقيلاً على نفسي."
رواية "التئام" هي العمل الثاني للكاتب "أحمد مدحت" -رحمة الله عليه- -بعد المجموعة القصصية "بسكاليا"- وهو مُدون معروف على منصات التواصل الاجتماعي.. يكتب بانتظام مجموعة من الخواطر على صفحته على موقع الفيسبوك.. خواطر مكتوبة بعناية وبجمال جلي وخفي، ولما قرأت عمله الأول مُنذ سنوات.. تمنيت أن يكتب روايته الأولى.. فهل حققت ما كنت أطمح إليه؟
بكل تأكيد نعم.. الرواية جيدة جداً كعمل أول، لا أنكر أن هُناك تنميط في القصة.. ولكنه تنميط يُمكن بلعه والارتضاء به.. السرد بالفُصحى، والحوار بالعامية التي لم تُضايقني، ولكن أعتقد أن الكاتب لديه أفضل من ذلك.. رُبما الحوارات مُلائمة أكثر بالعامية، ولكن الفصحى قد توفر تلك الملائمة أيضاً.. وهذه أشياء تأتي بالخبرة والكتابة المُستمرة والتطور.
"ألم يكتب الله تجربة السقوط على العُصاة مرة في الآخرة؟ فلماذا أخوضها كل يوم؟"
تغوص الرواية في عوالم منصات التواصل الاجتماعي والزيف الذي أصبحنا نعيشه، تلك الشخصيات الوهمية التي أصبحت تطفو على سطح شخصياتنا الحقيقية.. أصبحنا نكتب ما لا يُمثلنا، ونُعجب بما لا يُمثلنا، ونُحب ما لا يُمثلنا.. والأنكى أننا لا ندري بذلك.. تآسرنا تلك المواقع، وتسحب من روحنا وحياتنا.. عبيداً لها شغوفين بجديدها وتصفحها الدائم.
"يحيي الحاوي" أو يحيي مصطفى"
أحد كُبار "الإنفلونسرز" ولكن مع قراءتك لأول صفحات الرواية ستعلم تماماً أنه مُختلف عنهم.. هو يعلم تمام العلم أن ما يُقدمه هو هراء كامل.. مسروق أو مُقبتس من آخرين. يعيش الزيف ولكنه مُشتت.. ماضيه يؤرقه، وحاضره يؤلمه، ومُستقبله ضبابي لا معالم له.
في رحلة نفسية ليست هينة، يُحاول "يحيي" أن يلتئم، أن يُلملم شتات روحه، وأن يوقف النزيف الذي أدماه سنوات طويلة.
"العيون مرآة للقلب لا تكذب، حتى إن أراد صاحبها إخفاء ما بوجدانه."
ختاماً..
هذه رواية جيدة ستجعلني حريصاً على ما يكتبه "أحمد مدحت" وانتظره.. رغم أنه ما يزال ينقصه بعض الرتوش مثل: أن النهاية كان يُمكن أن تكون أفضل أو أعمق.. عند نقطة مُعينة بخصوص شخصية "فيروز" كنت أشعر أن الكاتب يتجه إلى إتجاه مُعين كان سيرفع من تقييم الرواية بكل تأكيد.. ولكني شعرت أنه لم يمتلك القدرة الكافية على أن يُنفذها.. فكان البديل غير مُقنع تماماً.
ولكن كما قُلت هذه أشياء تأتي بالخبرة والكتابة المُستمرة.
يُنصح بها.
29/4/2021