#ماراثون_القراءة_مع_بيت_الياسمين
هذا ليس بكتاب في السيرة النبوية، وإنما هو كتاب عن عظمة محمد عليه الصلاة والسلام. هو كتاب محوره الرئيسي البرهان على عظمة محمد في كل ميزان. في ميزان الدعوة، وميزان العبادة، والقيادة العسكرية والسياسية، وفي الميزان الأسري والاجتماعي كزوج وأب وصديق...إلخ. وكل هذه العظمة يجمعها عنوان واحد هو "عبقرية محمد".
*****
الكتاب يتألف من مقدمة وأربعة عشر فصلًا. يبدأ العقاد كتابه يرسم صورة مفصلة لأحوال العالم الذي كان ينتظر البعثة المحمدية. عالم بيزنطة وفارس والحبشة... فقد كل أسباب الطمأنينة...تتنازعه المظالم والفتن والشهوات.. ويضيع في عبادة الأوثان.
عالم يتطلع إلى من يغير أحواله..
وأمة عربية تحدق الأخطار بها من كل جانب... ومدينة مكة مركز تجارتها وثروتها.. وقبيلة تنقسم بين سادة وعبيد.
فلفرط سوء الأحوال ورداءة الظروف، العالم بأجمعه بات يتطلع إلى نبي.. ذلك محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام..
يجئ بعد ذلك فصل بعنوان "عبقرية الدَّاعي".. وفيه نقرأ عن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام التي جاء يدعو الناس إليها.. جاء وفيه كل الصفات والمناقب اللازمة لنجاح الرسالة والدعوة.. الفصاحة.. فكان أعرب العرب، والوسامة والصباحة والدماثة تأسر حب الأغنياء والفقراء والاقوياء والضعفاء.. والصدق والأمانة... جاء تسبقه أنوار ايمانه بدعوته وإصراره علي نجاحها...
يقول العقاد بعدما أسهب في بيان عظمة وعبقرية الدعاية: "إنما نجحت دعوة الإسلام لأنها دعوة طلبتها الدنيا ومهدت لها الحوادث، وقام بها داعٍ تهيَّأ لها بعناية ربه وموافقًا أحواله وصفاته"…
أما الفصل الذي يتحدث عن عبقرية محمد العسكرية، فنجد العقاد قد قسمه -بحنكة- إلي قسمين متتاليين: الأول منهما خصصه لدحض الافتراءات على دين الإسلام بأنه دين قتال وانتشر بالسيف. وفي القسم الثاني تحدث عن كل جوانب عظمة قيادة محمد العسكرية.. القائد البصير... رسم الخطط.. الأخذ بالمشورة... معاملة الأسرى... إلخ. وحسنًا فعل العقاد هنا بأن عقد مقارنة مع نماذج من القادة العسكريين في التاريخ الحديث مثل نابليون.
ثم فصل عن عبقرية محمد السياسية خصص بكامله للحديث عن كافة التفاصيل المتعلقة بـ "صلح الحديبية"، وذلك لأن العقاد يعتبره هو أدق النماذج على عبقرية محمد السياسية.
ومنها إلى عبقرية محمد الإدارية والتي تتجلى في تدبير الشئون العامة، وأول نماذجها في حياة رسولنا عليه الصلاة والسلام، حين اختلفت القبائل على أيها يستأثر بشرف إقامة الحجر الأسود في مكانه. كما تجلت بعد ذلك في تقسيمه للغنائم بعد الغزوات.. وفي إسناد الأمر إلى الأمير (المدير) الكفء القوي... ويسوق العقاد أمثلة من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام تتعلق بفنون الإدارة ويشرحها، لعل أبرزها قوله: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها". اظن قراء ما بعد الكورونا يحتاجوا بشدة لقراءة هذه الفقرة تحديدًا، وتقليبها على كافة أوجهها في عقولهم.
ويمضي العقاد يكحل عيني القارئ بجوانب أخري من عظمة الرسول عليه الصلاة والسلام وعبقريته، في إبلاغه للرسالة، وفي عبادته، وفي صداقته للناس بمختلف أعمارهم، وفي بيته زوجًا وأبًا وجدًا...
ثم يختم العقاد كتابه بحديث رائع عن عظمة محمد عليه الصلاة والسلام في التاريخ..
*****
(عن العظمة أتحدث: عفوًا عزيزي القارئ إن لمست في مراجعتي تكرارًا مملًا لكلمة العظمة، لكنني لم أجد بديلا عنها يعبر عما يدور في فكري، فاستميحك عذرًا).
إن كنت عزيزي القارئ تبحث عن كتاب تقرأه عن سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام كرواية أو قصة، فلا تبحث عنه في مكتبة العقاد؛ فالعقاد لم يكتب هذه النوعية من الكتب. العقاد هذا الأديب والمفكر موسوعي المعرفة أفنى عمره فكرًا وأدبًا وكتابة من أجل تحقيق رسالة واحدة هي تكريم الإنسان.. لذا فقد قضي يفتش ويدرس ويقرأ ويبحث عن كل صنوف عظمة أكرم خلق الله "الإنسان" في أوجها، ليولفها في كتب ومجلدات يقدمها لنا، ويؤمن بأننا نستحقها ولا نستحق أقل منها. وليس هذا الكتاب باستثناء من القاعدة.. فهو عن عظمة أعظم خلق الله؛ سيدي وحبيبي محمد عليه الصلاة والسلام.