بالنسبة للمؤمنين بالأخلاقيات المطلقة وعدم نسبيتها - مثلي- يمكن التعامل مع هذا الكتاب من منظورات ثلاثة:
١- المنظور الأول: هما إزاي ينشروا حاجة زي كدة، كتب زي كدة بتدمر الأخلاق والفضيلة تماما، حرام عليكم تترجموا وتنشروا عمل زي دة.
٢- المنظور الثاني: منظور هزلي ساخر، وعدم أخذ أفكار الكتاب بجدية، والضحك والسخرية من فكر الكاتب الذي أعلن بنفسه ان كلامه قد يثير ضحك وسخرية البعض، وفي الواقع كثيرا ما تبسمت أثناء قراءة الكتاب ولكن ليس سخرية بل من أسلوب الكاتب الساخر وثقته المطلقة في نفسه.
٣- المنظور الثالث وهو ما أتبناه: التعامل بجدية مع كل كلمة مكتوبة ومحاولة فهم وجهة نظر الكاتب وحججه التي بنى عليها مذهبه في نسبية الأخلاق وفضيلة الرذائل إن صح قول ذلك، وهو يصح بناء على مذهبه وحججه!
في مقالته الأولى يقول الكاتب ويبرهن على أن الأخلاق نسبية وأنه لا خير ولا شر إلا ما يشرعه مُشروعنا وأن ما يصلح من أخلاق لعصر لا يصلح لغيره وإنما الأخلاق هي ما ينفع المجتمع في فترة تاريخية معينة، فهي كالموضة تنتشر ثم تزول ليحل غيرها محلها وتتبدل المفاهيم.
مقالته الثانية جاءت كبناء منطقي ومحاولة لتدعيم وجهة نظره في المقالة الأولى، وعندما يتكلم الكاتب في هذه المقالة عن الفصائل والرذائل فعلينا أن نعلم أنه يقصد ما يظنه الناس فضائل ورذائل، اما بالنسبة له فعلينا ان ندرك أنه بإيمانه بنسبية الأخلاق فهو يتعامل مع كلا المصطلحين بحياد تام، فلا الفضائل عنده فضائل ولا الرذائل عنده رذائل فكلها نسبية وإلى زوال.
ولكنه كان في هذا المقال كما كان من يقول لنا: سأثبت لكم أن فضائلكم رذائل ورذائلكم فضائل، بل إن ما تعدونه رذائل وشرور لهو الفضيلة حقا ... إذا كان للفضيلة والرذيلة معنى!
في المقالة الثالثة فاجئني الكاتب بتفريقه ما بين الخيرية الحقة وما بين ما ينسب لها وليس منها ولكنه نتيجة لعوامل ودوافع آخرى، وبكلامه هذا فهو يهدم ما كان قد قاله قبلا عن نسبية الأخلاق ويقر هنا بالتفريق ما بين الخيرية الحقة وما دونها، فهو هنا يضع معايير للتفريق، وإذا أرسيت المعايير زالت النسبية، أو ربما أنا لم أفهمه جيدا!
وفي هذا المقال يتكلم عن فضيلة (الجهل) وأهميتها بأسلوب ساخر ولاذع يثير الضحك أحيانا، فهو يرى أن تعليم الفقراء بدافع الخيرية الزائفة والتصدق على المتسولين بدافع (الشفقة) التي لا يعدها فضيلة بل رذيلة تناسب النساء والضعفاء من الرجال وليس فيها من الخيرية بقدر ما فيها من الأنانية، يرى أن ذلك بدمر المجتمع الذي لا بد له من وجود الفقراء الذين يقومون بالأعمال الدنيئة والشاقة ولا يقاومون أسيادهم ويقيهم جهلهم من معرفة حماقة أسيادهم والتي لو أدركوها بالعلم لتمردوا على سادتهم الحمقى!
نظرة الكاتب بالتأكيد اختزالية، فهو لم ير في الإنسان اي ذرة من خير، فالإنسان بالنسبة له كائن أناني ولا يفعل الخير لأحل الخير ولكنه يفعله لمكسب سواء دنيوي أو آخروي، وكل ما يعتقده الإنسان أنه فضائل عند الفحص والتدقيق نجدها رذائل وأن الكثير مما نعده رذائل عند الفحص والتدقيق نجدها فضائل، وبالطبع نظرته طبقية، فهو يرى ان كل إنسان يولد بالطبيعة في طبقة معينة عليه ان لا يتخطاها، فهو مخلوق لهذه الطبقة وعليه ألا يطمح لغيرها، فلا مكان للجدارة والاستحقاق، فالفقراء يجب أن يظلوا فقراء، والمجرمون يلدون مجرمين، والسادة سادة وإن كانوا أحمق من خدمهم.
الكتاب بالنسبة لي لم يكن سيئا، بل ميزه صراحة الكاتب الاستعلائية!، فعلى الأقل قال أفكاره بصراحة ووضوح ودون خوف ودون تخفي وراء ألفاظ وأيديولوجيات جذابة تتضمن نفس الأفكار ولكن تخفيها وراء زخرفة الألفاظ.