الشيطان يموت مرتين، مرة باسمه ومرة بجسده!
للمرة الثانية على التوالي يبهرني دكتور أغر وتبهرني أفكاره، فكيف لطبيب أن يتقن الفكر الجنائي وفك شفرات اللغز المبهم كما يتقن عمله بالمشرط!
في روايتنا التي نحن بصدد التحدث عنها اليوم، يُكَلَف العميد محمود بحل لغز جريمتي قتل وليست واحدة هذه المرة! حيث ورد إليه ما حدث في عمارة بمصر الجديدة إذ تم قتل اثنين من ساكنيها في أقل من أسبوع واحد بدافع السرقة، والسكان في حالة هلع وثورة وقد وفدوا إلى داخل قسم النزهة لإعلان تخوفهم وطالبوا بسرعة القبض على الجاني؛ فما كان من العميد محمود أن يأمر بتكليف قوة من الشرطة بحراسة العقار على مدار الساعة حتى يتم التوصل للجاني.
وبنظرة على العقار نجد أنه عمارة حديثة البناء، مكونة من ثمانية طوابق، كل طابق به شقتين، ولكن ست شقق فقط مأهولة بالسكان، أمَّا باقي الشقق فإمَّا يمتلكها أشخاص يعملون بالخارج، أو شقق لم يتم بيعها أو تأجيرها بعد.
وقد أسفرت المعاينة المبدئية أن كلا الرجلين قتلا بنفس الطريقة، إثر طلق ناري خلف الأذن كما صاحبت الفوضى المفتعلة التي تعم المكان حادثي القتل وكذلك نفس وضعية المجني عليه ومكان الجثمان ذاته في الشقتين ما يعني أن الجاني واحد في الجريمتين!
لم يكن الأمر سهلًا، فالشكوك أحاطت بالجميع تقريبًا، خصيصًا بعد أن اتضحت خريطة العلاقات وتشابكها بشكل لا يجعل للصدفة بها مكان!
فكان الأمر بمثابة مبارزة ونزال قوي؛ حيث جهود محمود في كشف مجرم عبقري، لم يخطط لجريمته فقط بمهارة فائقة، ولكنه وضع في حسبانه أيضًا خيوط الحل التي ستتبعها تحريات المباحث فجعل من بعضها خيوطا تضليلية، وجعل البعض الآخر خيوطا متشابكة بشكل مُحيّر.
ترى، هل سيتوصل سيادة العميد لحل اللغز وكشف المستور ؟!
بالأخص حين يسهل الادعاء على ميت!!
وكيف انحلت العقد تباعًا لينكشف المخطط المكنون وتتساقط الأقنعة وينكشف الشيطان بحماقته والحاقد بغله وطمعه.
ربما كرر الكاتب نفسه في مشهد كشف الحقيقة حيث الاجتماع والمشهد المسرحي ذاته في حضور سيادة اللواء الشوربجي، لكن الحبكة الجيدة الغزل والمتينة النسيج المُقدمة بفصحى معبرة تشفع له الكثير.
رغم أن حدسي خبرني بالجاني، حيث كنت أرى أحداثها ومشاهدها في مخيلتي، فأستبعد هذه وأنحي ذاك، لكن بالحقيقة لم أكن قد تبينت كيفية تخمير الفكرة، فلم ترد لي مطلقًا!
كالعادة أمتعتني دكتور أغر، تعيش وتكتب
❞ قد نتصور أن مشاعرنا ماتت ودفنّاها.. ولكن صدّقوني.. إذا كانت المشاعر صادقة فهي لا تموت أبدًا إلا بموتنا ❝
الشيطان يموت مرتين لأغر الجمال
الرواية ٢٨٦ صفحة