ما بين المفتتح الذي بدأ به الكاتب عبد الخالق روايته في عدة أسطر قليلة وما بين الخاتمة والتي كانت أيضًا في عدة أسطر أكثر قليلا، تظهر الأحداث ما بينهم في فصل طويل غير متوقف وهذا حبيته كثيرا كأني أنا أيضا لن أتوقف وفعلا وفي تتبع زمني، الذكريات تعلو وتعلو وتعذب صاحبها وتتلاعب به، ذكريات مؤلمة، ماضي مر عليه سنين طويلة ولكن ما حدث ما زال يقبع في ذاكرة هذا الرجل بشكل مشتت وآلمه مازال يعصف في قلبه وروحه بضربات متوحشة، عندما قرر الظابط الشاب السفر لمهمة عمل في منطقة نائية تعصف بها الثلج من أجل التحقيق في جريمة غامضة.
ومن هنا يبدأ الكاتب المبدع السوري عبد الخالق كلاليب بسرد أحداث الرواية ووصفه العظيم لذاكرة الضابط الذي مر بوقت عصيب في القرية التي أرتكبت فيها الجريمة ولغة معبرة فيها تساؤلات فلسفية ونفسية مهمة. فهي قرية نائية وغامضة فيها ألغاز كثيرة، أهلها يحبون الثرثرة ولكنهم كاتومين بشأن الأحداث المهمة حتى تظهر الحقيقة وتتضح والتي أثرت أكثر على ذاكرة الشاب الضابط المسكين حتى أخر حياته الذي لم يعد يحب النوافذ ولا البرغل وفي انتظار أحبائه فهم يعرفون إنه لا يحب التلج.
عبد الخالق كلاليب أثناء هذا كله يتكلم عن ذاكرة الظابط ويوصفها وهي تتلاعب بنا كما تتلاعب بصاحبها الظابط، ذاكرة منهكة لرجل متعب عاش أحداث صعبة.
والسؤال الذي يبقى مطروح من المظلوم ومن الظالم؟! وهل ما فعله صحيح؟ هل الندم سيفيد؟ لماذا يجب أن تكون القرارات صعبة هكذا ومؤسف إنها أيضا لم تؤتي ثمارها ولكن هل هذا بإيدينا أو ماذا كان يمكننا أن نفعل؟ تساؤلات طرحتها كما لو كنت مكانه يا لشدة ما مر به، فلا عجب أن تتعبه الذاكرة.
كنت أتمنى النهاية تكون أفضل وإنه كان يتصرف بشكل تاني.
حبيت كتير إنها فيها جزء بوليسي وغموض ولكن الكاتب جعلها رواية نفسية وفلسفية درجة أولى على الرغم من إنها في الأساس فيها لغز جريمة ولكن بأسلوبه قدر يجعلها نفسية أكثر من أي تصنيف تاني وهذا أعجبني جدا جدا.
من الكُتاب الذين أول مرة اقرأ لهم وسعيدة جدا بالفرصة التي جعلتني أعرفه ولن تكون القراءة الأخيرة. فعلا رواية عظيمة.