#ماراثون_القراءة_مع_بيت_الياسمين
عنوان هذا الكتاب بشقيه الأساسي والفرعي ربما يثير كثيرًا من اللبس والجدل لدي القارئ. فقد يظن البعض أنه كتاب بتحدث عن كيفية تحول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام من إنسان إلى إله، وما تبع ذلك من صراعات. وهذا أبعد ما يكون عن الصواب. فالكتاب إنما هو كتاب تاريخ، يقدم لنا القصة التاريخية للخلاف الفكري الذي نشأ خلال القرن الرابع الميلادي، بين فريق يمثله القس السكندري آريوس (256–336م)، وفريق آخر معارض على رأسه أثناسيوس (293-373م) أسقف كنيسة الأسكندرية.
آريوس وأتباعه على الرغم من إيمانهم بأن المسيح له طبيعة إلهية على نحو ما، إلا أنه لم يكن بأي حال من الأحوال مساويا أو مكافًئا له. أي أن الله والمسيح كانا متشابهين في الجوهر لا متماثلين فيه. بينما أصر الفريق المعادي لهم وعلى رأسهم أثناسيوس بأن الله والمسيح كانا متماثلين في الجوهر، أي من جوهر واحد. وحول هذا الخلاف دارت صراعات عنيفة للعديد من العقود. وأجج نيران هذه الصراعات تدخل الأباطرة الرومانيين ورجال السلطة والسياسة، إلي جانب رجال الدين والمدارس اللاهوتية والمجامع الكنسية في البلدان التابعة للإمبراطورية الرومانية. وتاريخ تلك الصراعات هو موضوع هذا الكتاب.
*****
وهكذا عبر أحد عشر فصلا يروي لنا المؤلف ريتشارد روبنشتاين ملحمة أهم وأخطر صراع في تاريخ الديانة المسيحية. تلك الملحمة التي يقول عنها المؤلف: "تحددت فيها أسس العقيدة المسيحية، وطبيعة السيد المسيح وعلاقته بالله بشكل كبير."
صراع مرير بدأ في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم، وكان مصدره المدينة التي طالما اعتبرت مهد الخلافات الدينية: الإسكندرية. فقد قام كاهن سكندري يدعى آريوس بتوجيه النقد علنًا للعقيدة اللاهوتية لكنيسة الإسكندرية. وردا على تلك الانتقادات قام أسقف الإسكندرية بدعوة الأساقفة المصريين إلى مجمع كنسي، أسفر عن شجب أفكار آريوس، وطرده من الكنيسة.
في المقابل آريوس راح يلتمس العون من أصدقائه في فلسطين وسوريا وآسيا الصغرى. وهكذا تحول الخلاف العقائدي من مجرد خلاف محلي إلى خلاف إقليمي. بل وتطور بعد ذلك ليشمل كافة أرجاء الإمبراطورية الرومانية المسيحية.
صراع تعاقب عليه الأباطرة ورجال السلطة والسياسة والجيش، ورجال الدين واللاهوت والكنائس والمذاهب والمجامع الكنسية، وتبدلت فيه المفاهيم والمواقف والانحيازات والاضطهادات، وكان النصر دولة بين الخصوم...
*****
"عندما أصبح المسيح إلهًا" دراسة تاريخية مهمة جدًا، وأجدها فرصة ممتازة لكل قارئ لفهم تاريخ الديانة المسيحية وواقعها المعاصر ومستقبلها.
وإذا كنا نتوجه بالشكر للمؤلف على مجهوده الرائع في هذا الكتاب، فعلينا ألَّا ننسى توجيه الشكر لمترجم هذا العمل، والذي لولا مقدمته للكتاب وتدخله بالشرح والبيان في الهوامش لكثير من الموضوعات والمصطلحات، لواجه قارئ النسخة العربية قدرًا غير قليل من الصعوبة في فهمها.