#ريفيوهات
"لصوص النوم.....في جمال تشوشات الإشارة"
- في رأيي ليس بالصحيح أن يعتب أحد على القصص والسير الشعبية إذ أنها لا تهتم بنقل الصورة الواقعية كما هي عليه، أو لا تهتم بوجود الصورة من عدمه أصلا، بل يهتم أكثر بشيئين أولهما الانطباعات التي ملكت الحكواتية لتجميل شخصية وبلورتها لتصبح مثال زمانها "كتحويل الشطار وعلي الزيبق من قطاع طرق لأبطال تنصر الضعفاء" أو تطوير صورة عامة وإزالة واقعها المربك "كسيرة الظاهر بيبرس أو السيرة الهلالية"، وثانيهما الأسباب التي جذبت العامة أصلا للاستماع
-ولذا أرى أن بعض الكتاب اقتنعوا بنفس الفكرة، أو ربما تأثروا بها، فلا يحبون أن يُنقل الواقع كما هو، فهو معروف ولا جديد في تكراره، يميلون أكثر للصورة المشوشة "كتشويش إشارة الإرسال" التي تجمع بين الواقع وأشياء غريبة، تسمح للعقل أن يضع صورة مربكة جديدة للحاضر "فانتازيا مثلا"، أو على الأقل يكمل ما فقد من الصورة الحقيقية لكن بما يراه هو ويشعر، واعيا كما فعل الراحل حسين البرغوثي في كتاب الضفة الثالثة لنهر الأردن، أم ناقلا من الأحلام مثل هذه المجموعة
--لصوصية الأثير والصدارة "الياقوت نموذجا"
-يلاحظ في معظم القصص كقصص "الفيل وليس الكانجرو يا وودي، وكنت سأكون في فرح، ويوم دخلت في حدوة حصان، وكأرجل الأخطبوط، ولصوص النوم" فكرة سردت في أول المجموعة كمقدمة، وهي الانفصال عن الواقع "كما أوضحنا سابقا" بما فيه من قيد وتعب، يترك فيه الكاتب ما يثقله كقدمه الملتوية وظهره، وكذلك أبطال قصصه كأبي النصر وعمله، وبطل قصة كأرجل الأخطبوط ومصيبته، وصديق صالح، للانتقال لعالم من صنع أيديهم، ممتد ليس به نقطة نهاية لأن ما يحددها إغماضة العين كما ذكر الكاتب، يجمع تفسيرات عجيبة وغريبة لكل شيء، حتى الموت غريب، فكما أظنهم يؤمنون بقول الإمام الشافعي "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا" فيرون الواقع موتا أصلا، ولذا الموت عند أبطال قصص لصوص النوم و٢٩٩٠ مجرد بوابة تحويل صغيرة من حكاية لأخرى، أو على الأقل منزوعة صورته المهيبة كما في قصة الأوراق وقصة الأم التي صارت قطة
-ومن النقاط المعينة من تقابلهم مع مسار العم منسي في رواية الياقوت، نرى نقطة الهرب من الواقع وتصميم نموذج مألوف على غرابته، وأيضا نقطة سرقة الصدارة والبطولة، ففي معظم القصص كقصتي "كنت سأكون في فرح، وكأرجل الأخطبوط" نرى وجود محير للأبطال، في تشوش جنسهم "يوميات حروب الفئران" أو انتقالهم من حالة لأخرى "إغواء الكف الأخير" يكتمل بصرخة شاويش "نباطشي" الفرح المجتهد في قصة "كنت سأكون في فرح " أنا الفرح أنا الفرح ثم ارتداده خائبا، والذي تعني وجود بعض الأبطال كعناصر دخيلة تطمح أن تكون المبتدى والمنتهى، تحاول كما فعل عم منسي فتصيب حينا برؤية نفسها في مرايا عدة، وتخفق حين ترى عيونها الحزينة
--المرأة وعنصر البقاء "صورة نادية"
-للمرأة عند أبطال المجموعة وكذلك عند العم منسي شيء كبير، هو سر استمرار العالم المصنوع وبقائه، فالتشوش الذي أصاب العم منسي نتيجة غياب أمه، والغواية التي حركته للزواج، هو ذاته ما تجرعه أبطال المجموعة، في ضباب رانيا ناحية بطل قصة "الفيل وليس الكانجرو"، الغواية التي جذبت بطل قصة "كنت سأكون في فرح " ومكرت بالفاضح في قصة "مصائد المرأة السمراء"، تولد الانتقام كما في قصة "ضيوف العمة"، تفعل أي شيء حتى لو بتعنيف بطل القصة ذاته "في قصة قرباننا " فتبقيه في تشوش "كتشوش منسي مع صورة نادية" حتى تبقي على العالم في دورته العجيبة، حتى لو كانت مجرد مزهرية في قصة "حكاية المزهرية القا تلة"
--رجع الخي؟ "زجاج أبو النصر قايتباي ورحم غريب"
"رجع الخي يا عين لا تدمعيله
وفوق اكتاف رفاقه ومحبينه
رجع الخي يا يمه زغرديله
هالشهيد دم.اته ببن عنينا"
"تراث فل.سطيني- غناء سميح شقير"
- بمثل هذه الأغنية التي تضع سقفا بين الأمل الكاذب بالرجوع فتلين قليلا من الحسرة على الفقد، وضع الكاتب شرطا لاستمرار العالم بجانب ما تفعل المرأة، وهو أن يوجد حائل بين الخيال البعيد والنفس، بحيث لا يكون عالم الأبطال رقيقا فيسهل كسره بالاصطدام مع الواقع "وتلك ما هشم رأس الطفل في قصة حكاية المزهرية القا.تلة لأنه طفل له أحلام هشة" ، كالزجاج في قصة "يوميات حروب الفئران" الذي يحول بين الابن/الابنة والأب، فيضع للحقيقة متاهة يدور بها باحثا عن هية نفسه، يزداد تشوشا ويزداد واقعه ظلاما كظلام الرحم، ومنه يتشكل ويعود بهيئة جديدة لها الحق في الصدارة والمزاحمة عليها، ولذا نرى صراع الأم في قصة "الأخ الغائب والأم التي صارت قطة" منطقيا لنرى البنات ودورهن فيها
-ولذا نرى سببا منطقيا وجود الأشخاص بين بين "أي في المنتصف" حتى في وصفها، فأبو النصر "قصة يوم دخلت في حدوة حصان" وهو مسمى على لقب سلطاني "كأبو النصر الأشرف قايتباي" تقف بين القيادة والمعاناة متشتتة، بين الحميمية والجمود، وكذا بطل قصة ٢٩٩٠ بين الحياة والموت، حتى الولد/البنت في قصة يوميات حروب الفئران بين اليقين والشك، ليس في غرضه عرض الصراع وإنما هو تأكيد على البطولة بأنه مشارك في كل شيء وعكسه
الخلاصة: عمل جيد، لكنه أزعجني في أول الأمر بغريب أحداثه، لكن يستحق التأمل عنده وتفنيده وتحليله مع وجود العم منسي طبعا