#ريفيوهات
"الدوار.....نموذج مصغر"
--مقياس رسم الخرائط "كفر عسكر نموذجا"
عندما ينظر الناس للخريطة ربما يجد المتأمل منهم صغر المسافة بين الأقطار والقارات وحتى المدن، تبدو متلاصقة متراصة، كما للنهر بما فيه من تعرجات وما يعتمل بداخله ويرى أثره من فيضانات يمثل خطا رفيعا متعرج أو يتفرع لخطوط أصغر، لا يبدو ذلك مدهشا فهي محكومة بمقياس يدعى "مقياس الرسم" كي يكفي كل تلك المساحة وتكون التفاصيل مجرد هامش بسيط يدلل عليه بلون بسيط
-وبالعودة للرواية، فالكاتب يستخدم ذلك المقياس في روايته ما يعرف بالإسقاط، فلعب الكاتب لعبة ذكية بقص تلك الأحداث وتهذيبها من التفاصيل والأسماء وتفصيل الشخصيات وإضافة ما عنده من أطروحات فتتكون قصة بلون الواقع، ليس هذا غريبا بالطبع فهناك روايات تقوم على لعبة الرمز "وفي الدراما وجدت من يتحدثون على مسلسل "الناس في كفر عسكر " بأنه يتحدث عن القضية الفلسطينية من خلال صراعاته"
-وباتجاه الكاتب-وهذا لم يعجبني بالمناسبة لأنها مفهومة زيادة عن اللازم- للإسقاط الصريح، جعل الواقع ملعبا سهلا لبسط كل أفكاره أو تحديد دوافع جديدة ربما تتفق وتكون جسرا لنقل ما يعتمل في صدور شخصيات تمثل الواقع، أو تعارضه ويمتزج الخيال بالواقع فيصنع مصيرا جديدا.
-- جوكر اللعبة "الإنسان والحبال السبع"
-بالتصغير اتضحت الظروف الموجودة في هذا العصر، ومقتضياته المحركة إياه من لعبة الاستغلال المتبادل والفجوات الطبقية وصراع الشرق والغرب، لمشاعر كاليأس والغضب والثورة، نرى محركها الأساسي هو تنقل الإنسان على خطاياه السبعة كيفما اقتضت الحاجة "مطرح ما ترسي دق لها"، فنرى الغضب في وجه جمال الذي يدفعه للنقمة والحسد، والغضب المتملك عبد العزيز يدفعه للانتقام وذلك يدفعه للطمع، والكبر الذي يدفع رفاعي للطمع والسطوة وهكذا، لكن إحدى الخطايا تجمعهم عند نقطة واحدة، تخلبهم وتأسر عقولهم ثم ينصاعون بأمرها، والكل يأولها كيفما أراد فربما تكون منارة لطريقه، عرفتها؟ هي الشهوة ولا ريب
-جاء وصف شخصية "بهية" أو الهانم مطابقا نوعا ما لوصف الشهوة، بين التمنع والرغبة تشتعل العقول وباشتعالها تكون الرغبات مطاعة، ربما تتحطم بصخرة الواقع كجمال وعبد العزيز، أو بنظرة ساخرة لرفعت، أو تخاصمه تماما كرفاعي، ولكنها تظل خلابة بتأثيرها، والذي لا يتعدى شطة كبريت، والرك على بنزين تلك الشخصيات ونوعه، فيتقلبون على حبال الخطايا بسلاسة مبهرة، وهذا ما أجاد الكاتب وصفه لدرجة ممتازة
--لوحات جمل
-يظهر من وصف الكاتب اهتمامه بصنع الصورة وتمثيلها لعقل القارئ، كالالتفاتات والنظرات، وصولا لوصف الأحداث، بصحيح العبارة يرسم لوحة بكلماته وجمله مغلفة بتشبيهات من نفس البيئة كثيرة أينعم لكنها مجملا ضبطت من إسقاط الكاتب ومقاييسه "وهذا ما أعجبني أيضا في رواية رحيل وغربة للكاتبة الشابة دينا شحاتة".
--ملاحظات:
-كما ذكرت التشبيهات كانت في مواضع قليلة غريبة بعض الشيء وفي غير موضعها، فضلا عن وضع الغرب في حيز البندر كان غير موفقا، ربما -تفضيلي الشخصي- كانت تكفي اندهاشة الريفي المعروفة للمركز أو العاصمة، ولكن تظل مقبولة
-لاحظت أن اللغة في تمازجها -وخاصة الحوار - بين اللهجة العامية والفصحى تتأثر بأسلوب الكاتب الكبير خيري شلبي في رواية ثلاثية الأمالي، وهنا استمتعت بها جدا إلا من بعض السباب المفرط "ربما تضيف واقعية للنص"
الخلاصة: عمل يقع بين الإعجاب وضده عندي، لكن أفكاره ومناقشته لخطايا الإنسان، فضلا عن لغته وتشبيهاته ممتعة جدا.