لا يقلق متعة القراءة في حياة القارئ إلا صعوبة إيجاد كتاب جميل كلما أراد التنعم في لذة القراءة الغامضة، راودتني تلك الفكرة منذ أن قرأت هذا الإهداء ❞ مئتا صديق سيحضرون دفني، ولا بد من أن تلقي أنت على قبري كلمة تأبيني ❝ في الصفحات الأولى من كتاب «صداقة مع ابن شقيق فيتغنشتاين» تأليف توماس بيرنهارد وترجمة المترجم المصري القدير والأمين سمير جريس، والكتاب صادر عن دار «سرد»، ودار «ممدوح عدوان» ومتاح على أبجد.
الكتاب عن علاقة الصداقة التي جمعت بين الكاتب النمساوي المولود في هولندا، توماس بيرنهارد بباول فيتغنشتاين، ابن شقيق الفيلسوف النمساوي الشهير، لودفيغ فيتغنشتاين
(باول)، وكان باول يرتاد بين فترة وأخرى مستشفى المجانين الذي يقع على نفس الجبل حيث مستشفى الصدر الذي يعالج فيه توماس بيرنهارد وكانا يتسللان ليلتقيان أثناء تلقيهما العلاج بين فترة وأخرى أما في مستشفى المجانين أو مستشفى الصدر، كما جمعتهما صداقة طويلة وفترات جميلة بين الريف وفيينا، بين المقاهي والأوبرا.
الكتاب هو نص مفتوح عن الصداقة، ويمكن تصنيفه أيضا كرواية، ولكن التصنيف هنا لا يهم، العذوبة والصدق والقدرة على فهم النفس والأخريين، التعبير عن السخط على الأوساط الثقافية، كراهية الريف لصالح المدينة (في إشارة شاذة ونيرة أقابلها لأول مرة في حياتي تمجد المدينة وتحتقر الريف)، وصف العلاقة بين المريض والأصحاء، والقدرة على التعبير عن المحبة من صديق إلى صديقة، هي كلها أشياء أكثر أهمية من الانشغال بالتصنيف.
لفت نظري في النص أيضا لعبة التكرار، ذلك العيب الذي يخشاه كل كتاب العالم، هنا جاء التكرار في النص فأضفى أجواء من الحميمية والتعاطف، بل أن التكرار في «صداقة مع ابن شقيق فيتغنشتاين» خلق علاقة صداقة موازية بين القارئ والنص.
سعادتي بالكتاب مضاعفة لأنه صادفني في فترة أعيد فيها تأمل قيمة الصداقة ومحاولة فهمها على نحو أكثر عمقا، بل وأدرب نفسي على التعبير عن محبتي لأصدقائي بقدر ما أستطيع، كما أنه- ودون قصد- غذى أوهامي التي تراودني دوما بأنني حين أفكر في شيء أجد بالصدفة كتابا له علاقة بما أفكر فيه!