تأملات في الشان العراقي
تأليف
كامل شياع
(تأليف)
حرّض العنف المنفلت في عراق ما بعد صدام ويحرض المثقف خصوصاً للتساؤل عن أسبابه الثقافية الدفينة أو بناه الثابتة. فبعد أن هوت بنا موجاته المتواصلة منذ حوالي خمس سنوات إلى عتبات الجحيم والعدم، أججت في نفوس ضحاياه المحتملين المؤجلين مزاجاً تطهيرياً نقيضاً. صار كلنا أو أغلبنا ينظر إلى نفسه كروح هائمة أو ملاك بريء في عالم وحشي مدنّس. هذا القلق الوجودي وضع أقواساً من الشك على عباراتنا وواقعنا ومخيالنا. محنة الإستمرار بالحياة التي أطبقت علينا حفزتنا للتمعن في الوجه الآخر للتاريخ بصفحاته المسطّرة بلغة القسوة والإستباحة، والثقافة بسجلها المشؤوم المتواطئ مع العنف والمروج له. لكن ما جدوى وقفة كهذه محمولة على إقتفاء ما يسند حلمنا الإنساني المهدد بالانكسار كل لحظة والتاريخ الحي يخذلنا بوقائعه والثقافة السائدة تسلبنا فعل الوعي؟ هل بوسعنا الهروب من الماضي، تاريخاً وثقافة، بعد أن تجلى كمستودع لمعان سود؟ أيلزمنا الانتساب إلى حضارة أخرى غير موجودة إلا في كتب المدن الخيالية؟ لا هذا ممكن ولا ذاك، يلزمنا عملياً الرهان على مناورات السياسي ودهائه وأجهزته الأمنية لمواجهة العنف بأشكاله كالإرهاب والقتل على الهوية والإختطاف والتهجير والجرائم العادية. ويلزمنا، على المستوى الأعمق، الرهان على بث الحياة المدنية المشتركة من خلال طرق باب القيم الأخلاقية. أقول القيم الأخلاقية وأعني تلك النابعة من مجتمع سياسي حر لأنه ما عاد هناك دور كبير للأفكار الصحيحة لزحزحة هيمنة الجهل والتعصب والأساطير، لتجاوز القناعات المتجذرة في عقولنا وخطابنا، وللتخلص من شراك صراع الماضي مع نفسه. العنف الذي إجتاحنا بقوته الكاسحة دفعة واحدة، لم يكن فقط، كما أشار السؤال، إبن لحظة عابرة طوّعت السياسة لتكون إستمراراً للحرب. بيد إنه أيضاً دليل قدر إنساني جليل ووضيع في آن واحد، سبب قاهر يثقل علينا بتجلياته القصوى وكثافته التي تغشي البصر فتؤدي بنا إلى متاهة فعلية دون مخلّص. وبصفته تلك جعلنا كذلك ننسى التاريخ والثقافة معاً: ليس هناك سوى قوة عمياء، وشرط ميتافيزيقي سابق ولاحق. كشف تحيزات اللغة وتطهيرها قد لا يعني الكثير من دون مراجعة «رومانسية » النظرة الإنسانوية وتفكيك مسلماتها وكسر ثنائياتها ودون العمل على الخروج من النرجسية الثقافية والتمركز على الذات وإلغاء الآخر ومثلنة الماضي والأصول وحكمة الأسلاف. نحتاج إلى يقظة أخلاقية مسؤولة وإلى أجيال وأجيال تمتلك ناصية التفكير النقدي. ذلك إن «أعداء المجتمع » هؤلاء هم بناة مستقبله.
عن الطبعة
- نشر سنة 2019
- 168 صفحة
- [ردمك 13] 9789933617608
-
دار المدى
تحميل الكتاب