رقم ثمان وسبعون / 2024
النار والعنقاء- الجزء الثاني – صقر قريش
وليد سيف
الدين والقبيلة والسلطان والسيف : ولكن الثورات الكبرى كالزلازل العظيمة، لا تنتهي أحدها بالزلزلة الكبرى حتى تلحق بها موجات من الهزات يتلو بعضها بعضاً، إلى أن تستقر الأرض بحملها المنظور وباطنها المستور، وتكتمل رواية المصائر التي اتصلت فيها بسبب، ومنها مصائر أصحابها ومصائر أعدائها سواء، وقد يلقى بعض أصحابها من المصير المظلم مثل ما أنزلوا بأعدائهم، وقد يلقى بعض أعدائها من المصير المجيد مثل ما يلقى المنتصر، ولو بعد حين، وبعد كفاح طويل مرير، في بلد ناء آخر من أرض الله، وقد ينتهي بعض الصائدين إلى أن يصيروا صيداً، وبعض الطاردين مطرودين، وفي المقابل قد تنتهي الفريسة المطرودة أن تصير صائداً مفترساً، ويصير الخائف مخيفاً، وقد يأتي زماناً تستوي فيه الضحية والجلاد، حين تجد الضحية نفسها في حال تعيد معها سيرة جلادها في خصومها المستجدين بعد أن تتمكن، ثم تتذرع بالأسباب نفسها التي تذرع بها جلادوها من قبل، وعندئذ لا يفترق الخصوم إلا بقدر ما يتشابهون، وقد لا يجد أحدهما إلى أن يغدر بالآخر، أو حتى يعظمه.
الاندلس والفردوس المفقود هكذا يسمونه : ذلك الجزء الذي فتحه موسى بن نصير والقائد البطل طارق بن زياد من 107 ميلادي ليستمر الحكم ل سيع قرون وكان اول حاكم مع عبد الرحمن الداخل كاول حاكم للاندلس بعد سقوط الامويين من قبل الرايات السود او العباسيون وأستمر الحكم الإسلامي في الأندلس ثمانية قرون، من نهاية القرن الأول هـ (بداية القرن الثامن م)، إلى غاية أواخر القرن التاسع هـ (القرن 15 م). ويقسّم المختصون هذا الوجود الإسلامي في الأندلس إلى حقب عديدة، أولها مرحلة الفتح التي دامت زهاء أربع سنوات، ثم عهد الولاة التابعين للدولة الأموية في عاصمتها دمشق
تحدث الجزء الاول من الكتاب عن السقوط والهروب والتوجه الى الاندلس عبر الصحراء وهنا في الجزء الثاني نتوجه الى البناء والتاسيس عبر رحلة الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية حتى الأندلس ولقب على اثرها بالداخل. كما لقب ايضا صقر قريش لأنه استطاع أن يلم شمل الفاتحين المسلمين للأندلس ويوحد كلمتهم وينهي خلافاتهم ويؤسس لحكم أموي للأندلس استمر سنوات طويلة.
كان الهدف الأساسي للعباسيين أن يقضوا على كل أبناء الأمويين في كل مكان. حتى لا يتركوا أي فرصة لأي اموي للعمل مرة أخرى لاسترداد الخلافة ولو بعد حين. لقد حصلت معارك حقيقية بين جيوش الأمويين وجيوش العباسيين أدت بعد كر وفر الى انتصار العباسيين. كان يرأس جيوشهم أبو مسلم الخراساني الذي ولّاه الإمام إبراهيم قبل موته قيادة الدعوة العباسية في خراسان. وجاء بعد إبراهيم خليفة عباسي أبو العباس السفاح الذي وجد الخراساني قوة داعمة بلا عصبية قبلية عربية حيث ان اغلب مقاتليه من خراسان وجوارها فارس. لكن الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور كان مرتابا من أبو مسلم الخراساني واعتبره يعمل لنفسه ولقومه الفرس وكأنه يخطط أن يحكم بعصبيته الفارسية منتقما لاسقاط العرب المسلمين للدولة الساسانية الفارسية. لذلك كان ينتظر الفرصة المناسبة للقضاء عليه خاصة بعد أن أصبح هو الخليفة بعد موت أخيه ابو العباس السفاح. أدرك ابو مسلم الخراساني بعنجهيته وتحديه لأبي جعفر المنصور قبل أن يكون الخليفة أنه يورد نفسه المهالك، لكنه كان يعتد بنفسه وقوة جيشه كثيرا. ترصد له أبي جعفر المنصور وبين التهديد والوعيد والملاينة والدهاء استطاع أن يقضي عليه وينتهي من تهديد جدي للخلافة العباسية ويستقر الحكم لهم.وعلى مستوى آخر لاحق العباسيين فلول الامراء الامويين وقتلوا كل من بلغ الحلم منهم.
كان عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، حفيد الخليفة هشام الذي رعاه بعد موت والده معاوية. وأخذ يعلّمه فنون الحكم منذ صغره، حيث كان لمسلمة بن عبد الملك نبوءة تتحدث عن انتهاء حكم الأمويين في المشرق واحيائه في المغرب وكانت النبوءة منصبة على الفتى عبد الرحمن بن معاوية البالغ من العمر وقتها اثنا عشر عاما، حيث له في المغرب العربي أهل والدته. وبعد هزيمة الأمويين عسكريا. بدأت مطاردة الأمراء في كل مكان. وما كان من الأمير عبد الرحمن بن معاوية إلا أن هرب بصحبة خادمه بدر الذي لم يكن مجرد خادم فقد جمعت بينهم الاقدار. كان ذو أصول بيزنطية عارفا ومطلعا وذو رأي وحكمة وشجاعة واخلاص وتفاني في خدمة الأمير عبد الرحمن بحيث ارتبطت مصائرهم لعشرات السنين.
توجه الأمير عبد الرحمن ومعه زيد وخادم آخر الى فلسطين ومنها إلى مصر وبعد ذلك للمغرب الأقصى. طاردهم العباسيون وكادوا في مرات كثيرة أن يُقتلوا وأن يتم القبض عليهم. لكنهم استطاعوا النجاة في كل مرة بتخطيط ودهاء وتغيير طرق. كادوا يتوهوا ويموتوا في صحراء سيناء وهم هاربين إلى مصر، حيث تجنبوا الطريق المجاور للبحر، خوفا من مطاردة العباسيين. حتى في مصر لحقهم الحكام الذين كانوا بايعوا العباسيين. ومن مصر توجهوا للمغرب تلقفهم حاكمها الذي فكر أن يتقرّب بهم من العباسيين، لكنهم هربوا الى اواسط المغرب حيث قبائل البربر اهل ام الامير عبد الرحمن. هناك احس بالامان حيث وصل. عاملوه على أنه ابنهم وساندوه بما يريد أن يفعله. ومن هناك توجه إلى المغرب الاقصى حيث التقى بحاكمها الباقي على ولائه للأمويين. ومن هناك خطط للعبور إلى الأندلس. واقع الأندلس كان ما زال على حاله حيث يتحارب الحكام المسلمين فيما بينهم وكل يريد مزيدا من السلطة والمصلحة، مستخدمين النزعة القبلية التي مازالت تعبر عن انتماءاتهم الحقيقية بين اليمانيين والقيسيين. وكان هناك فئة غير منخرطة في صراع هؤلاء وهي موالي بني أمية. حيث وصل الأمير عبد الرحمن مع بدر خادمه وصديقه. بايع الموالي الأمير عبد الرحمن وأصبحوا نواة جيشه الذي سيفرض سلطته على الأندلس كلها ويبني خلافته الاموية في الاندلس ثانية. كان يعتمد الوعد والوعيد والحرب والسياسة والمكر والتغلغل بين المتصارعين منتصرا لهذا وكاسرا لذاك. حتى استطاع أن يكون هو الحاكم الفعلي للأندلس. متجاوزا البعد القبائلي ليصنع ولاء للدولة بكل معنى الكلمة.
استمر ذلك لسنين طويلة فقد كان قد ترك وراءه بعض أولاده وإخوته الاصغر منه واولاد اخوته. ممن نجوا من مذابح العباسيين. استدعاهم للالتحاق به. وقدم لهم فرص العيش الرغيد.
بمرور السنين سيظهر أن هناك قواعد للحكم ليستمر الأمر لصاحب السلطان. فلا مكان لأي قوي عسكريا بجوار الحاكم لأن نفسه ستسول له أن ينقض على الحاكم ليحصل على الحكم، لذلك استأصل الخليفة عبد الرحمن الداخل كل منافس له بالحرب والخديعة. حتى اقربائه من استدعاهم وراءه الذين كبروا حيث حاول بعضهم ان يفكر ويعمل لينافس عمه. كان لهم ذات المصير: القتل. لقد قال العرب الحكم عقيم. لا يتوالد تلقائيا وكل منافس للحاكم مصيره الموت . اصبح بدر رئيس جيوش الخليفة عبد الرحمن وكان نديمه وصديقه في وقت ما. لكن السياسة والحكم جعلت بدر مقصيا عن الخليفة عبد الرحمن. وهذا ما جرح بدر كثيرا. حاول التقرب من الخليفة كثيرا بعد مضي عشرات السنين وبعد ان اصبح الحكم مستتبا لعبد الرحمن الداخل. أصبح لديه حجّابه ووزرائه، عانى بدر كثيرا من إقصاء عبد الرحمن له. لم يدرك قوانين الملك. لكنه لم يفعل أي شيء سوى اعتزال الحكم والسكن مع زوجته في قرية نائية بعيدا عن الحكم وشؤونه. وتمر عشرات السنين ويصبح عبد الرحمن الداخل الحاكم المطلق لتلك البلاد بدأ في الأعمار وبنى مسجد قرطبة الكبير. نشر العلم و استعان بعلماء من المشرق. فرض على الفرنجة المجاورين للأندلس معاهدات تقدم له ولحكمه المال والعطايا.
لقد أسس عبد الرحمن بن معاوية الداخل دولة استمرت مئات السنين في الأندلس.
تنتهي الرواية حيث يبحث الخليفة عبد الرحمن عن صديقه وخليله ورفيق رحلته بدرا ليجده في قرية نائية وليجلسا سوية يتحدثان عن رحلتهما وما حصل فيها وبعدها حتى تلك اللحظة بعد عشرات السنين. وانهم قاموا بدورهم وأن ما فعله عبد الرحمن الداخل من قتل للخصوم ودفاع عن الحكم هو قانون الحكم في ذلك العصر فإما قاتل وإما مقتول…
في النهاية على الرواية اقول:
ونحن نعيش هذه الابادة في القطاع كانت الاندلس حاضرة وقبلها بغداد على يد هولاكو والابادة الجماعية اطلعت على مقالة على مدونة الجزيرة بعنوان "انبعاث الأندلس في غمرة الحرب على غزة" تحدث من خلاله الكاتب حسن اوريد عن فكرة الابادات والتعايش السلمي ودور اسبانيا في القضية الفلسطينية حيث تعود الأندلس اليوم، كفكرة، ليس الأندلس الرقعة، ولا الأندلس الحقبة. والأندلس الفكرة ليست توهمًا، وإنما تُبنى على شيء حقيقي، وسابقة فريدة. هذه الأندلس الفكرة هي ما يستحثُّ ساسةً ومفكرين وباحثين، من أجل التعايش، التسامح والحياة بعيدا عن الابادات والحروب المدمرة.