فخ التخيل التاريخي.
اتساءل حين ينبهر بعض القراء من بعض الأعمال التي تتخذ من حدث تاريخي ركيزة تستند عليه في عملها الفني، ان كان اعجابهم نابع من ( توهم المعرفة التاريخية بالحقبة التي تتناولها الرواية) ، أم أن اعجابهم ينبع من معالجة الكاتب الروائية للاحداث.
وهذا يقودنا للحديث عن الفخ المماهاة ، حين يماهي البعض ما بين هذا الصنف من الروايات الذي يعتمد ( التخيل التاريخي) وما بين اعتبار الرواية ( وثيقة تاريخية) للاحداث، وينتظرون ( الخروج بحصيلة معرفية) لتلك الحقبة.
يفرق الناقد عبد الله ابراهيم ما بين التخيل التاريخي والرواية التاريخية ، فيقول ان التخيل التاريخي يعتمد على نظرة وفلسفة الكاتب عند سرد حدث تاريخي، أي ان الحدث التاريخي لا يسرد مجردا من ذاتية الكاتب، فهو يعيد تشكيله ليوافق منظوره و فلسفته.
لكن بعض القراء يصرون على وسم هذه النوعية من الروايات ( بالتاريخية) ومن هنا ينبع تقييمهم المرتفع لبعض الاعمال ، فقط لانها سلطت الضوء على جانب من التاريخ لم يكن معروفا عندهم.
قد يكون سبب التقييم المرتفع لهذه الرواية( أسير البرتغالين) من هذا القبيل.
فالرواية تسلط الضوء على حقبة لم تكن معروفة تاريخيا بالنسبة لي من تاريخ المغرب، في القرون الوسطى ، أعقاب القرن الرابع عشر، حين تصارع البرتغاليون والاسبان والاتراك العثمانيون على فاس و المغرب، والصراعات الداخلية ما بين السعديين وخصومهم، وزمن الأوبئة( وباء الطاعون) و القحط والحدب والجوع.
تلك هي الخلفية التاريخية لاحداث الرواية، أما المعالجة الروائية لها ، فقد كانت قاصرة عن رسم ملامح الشخصيات، وهندستها، ومنحها صوتها الخاص.
يقول الروائي الايراني " شهريار مندني بور " في معرض نقده لبعض الروائيين الايرانيين: " إن بعض الروائيين الايرانيين يقوّلون حفار القبور كلمات وعبارات فلسفية وأدبية" . وهذا النقد يصلح ان يوجه لشخصيات هذه الرواية، فالبغي تتحدث بحكمة الفلاسفة، وبودور زعيم فرقة الاعدام لا يقل عنها فلسفة.
ولا يفرق القارئ ما بين أصوات الشخصيات والراوي.
والراوي العليم ، أفسد بعلمه سير الرواية، تمنيت أن يصمت قليلا، وأن يترك المجال أمام شخصياته لتتحدث بصوتها الخاص، لكنه أبى ألا يصمت، بل، أمسك دفة السرد من أول الرواية الى اخرها، لذا جاء الحوار في الرواية ضعيفا، ركيكا، بل ونادرا ما تجده في الأساس.
أحيانا كنت أشعر ان الراوي يتحول الى مؤرخ همه أن يسرد أحداث التاريخ بسرعة ، واحيانا يقتلني تفصيلا ووصفا للطبيعة أو للمكان، بلغة فيها من التشبيهات والاستعارات ما لا أجده في مكانه المناسب.
ثم يحاول أن يضفي طابعا تراجيديا لبعض المواقف. ويكرر سردها في صفحات الرواية.
كحادثة سرد الناجي لقصة قتل ابيه لاخواته، في محاكاة لدور شهرزاد حين كانت تروي القصص لشهريار لتنجو من الموت.
لكن كان سرده مملا، ومكررا .
أما أحداث الرواية ففعليا تنحصر ما بين مخدع " صوفي" البرتغالية و بيدرور و الناجي ، اللذان استلذ في معاشرتها.
ووصف مدى تعلق غيثة زوجة الناجي به و سعيها الدؤوب لتحرير زوجها من أسر البرتغالين( بينما هو ينام بالعسل مع صوفي، بعد ان افتدته من الاسر ليكون عشيقا لها) .
وقصص من ارسلهم العياط التاجر المقتدر، جار غيثة، ليفتدوا الأسير ناجي، وما نالهم من قتل و غدر بعضهم بعضا بالطريق، فكل من ذهب ليفتدي ناجي قد هلك.
وما بين هذه القصص تطل علينا معارك السعديين مع خصومهم، وقصص انتقام احمد السبتي ممن قتل شيخه الشونستري من السعديين، وفي سبيل ذلك تعاون مع الجنود الانكشاريين، و من ثم الحديث عم ايهم الاسطنبولي…
والكثير من الشخصيات والاحداث التي جاءت في فصول، تشبه لقطة او مشهد سينمائي، ينتهي ليأتي دور الاخر.
دون أن يحين المخرج اخراجه!
صورة المرأة في الرواية
في هذه الرواية هناك تنميط ممل جدا. النساء ضعيفات جدا، هشات، بغايا، ينتظرن من يحررهن، او ينتظرن( سي احمد او العياط او سي البشير أو سي ناجي) دائما المرأة تتسمر في أفق الانتظار ل" لمخلصها" من شقائها.
والرجل في هذه الرواية لا تشغل باله سوى مضاجعة النساء ، ويبدو ان عقد الطفولة تطل برأسها بملمح فرويدي لتبرر هذا الشغف الكبير بالجنس عند رجال الرواية!
كما في حالة ( بيدور) الذي قتل أمه لخيانتها، وقرر ان يعاشر النساء و يقتل الرجال كرد فعل على صدمة طفولته واغتصابه.
في المجمل، لو صبر الكاتب قليلا على روايته في معالجتها لكانت أفضل مما هي عليه برأيي الشخصي، لإنه يمتلك خلفية للأحداث جيدة، لكن لا يكفي التشظي الزماني و المكاني ، وتوزيع الاحداث على فصول ليجعل منها رواية جميلة.
كل التوفيق للكاتب