أوطان الأمر الواقع: مختارات من نصوص صالح بشير
تأليف
صالح بشير
(تأليف)
حازم صاغية
(تقديم)
عبد الله أمين الحلاق
(إعداد)
صدر عن منشورات المتوسط-إيطاليا، كتاب حمل عنوان "أوطان الأمر الواقع" وهو مختارات من نصوص الكاتب والمترجم التونسي صالح بشير، والذي كان من الأسماء الأبرز في الصحافة العربية، لا بل من الأسماء المعلمة التي تركت أثرها في الكثير من أبناء جيلها والأجيال التي أتت بعدها. والكتاب من إعداد الكاتب والباحث السوري، المقيم في إيطاليا عبد الله أمين الحلاق، وتقديم الصحفي اللبناني المعروف حازم صاغية.
يتضمن هذا الكتاب والذي جهد فيه الحلاق في الجمع والفرز والتبويب والاختيار ليقدم لنا نصوصاً من كتابات الراحل صالح بشير. وهي نصوص يتوزع اهتمام كاتبها بين ما هو عربي (فلسطيني ومشرقي خصوصاً) من جهة، وما هو عالمي من جهة ثانية، يتناول من خلاله السياسات الدولية تجاه المنطقة، ومسائل كونية تصيب حياتنا الثقافية والسياسية العربية وتُسائلها، بهذه الدرجة أو تلك..
هذا الكتاب هو، في جانب منه، كتابٌ تكريميّ، يأتي تحيةً متأخرة إلى صالح بشير الذي غادر دنيانا في شباط 2009. لكنه أيضاً يرقى إلى احتمال ان يكون كتاباً مرجعياً، من خلال ما تتضمنه النصوص المُدرَجة فيه من تفاصيل وأحداث كانت مناسبة للكتابة عنها بتحليل دقيق ومعالجة تنفذ إلى ما وراء الكلام البسيط والاستسهال. وهي، إلى جانب ذلك، تحمل بعداً "استشرافياً" للمستقبل في حينها، أي لأيامنا هذه، حيث تتوالى الانهيارات بعد عقود من التصدع، على صعيد الإجماعات الوطنية، وعلى صعيد وجود "أوطان الأمر الواقع" نفسها.
ينتمي صالح بشير إلى فئةِ الكتّاب الذين "تضيق برحيلهم رقعة الأسئلة والحق في طرحها" على ما كتب عنه حسام عيتاني. ذلك لأن النصوص المجموعة في هذا الكتاب، وغيرها من نصوصه، تقول إن طرح الأسئلة والشك في المسلّمات واليقينيات السائدة يبقى ضرورياً ومحرضاً على التفكير، بدلاً من الخلاصات السريعة والأجوبة السهلة لمسائل وقضايا معقدة ومتشابكة ومتداخلة. وهو كان، إلى جانب ذلك كله، الكاتب الذي يكتب بلغة عالية المستوى توازي ثقافته الموسوعية واطلاعه واللغات العديدة التي كان يتقنها. يكتب الشاعر اللبناني بلال خبيز في أحد مقالاته، إنه "كان يتهيب الكتابة وهو يفكّر بأن صالح بشير قد يقرأ ما يكتب"..
ذلك أن الدولة الكيانية، تلك التي تُوصَم، تبخيساً وذَمَّاً وقَدْحَاً بـ “القُطْرِيَّة”، كانت في الغالب، وفي منطقتنا، نتاج مساومة، عُدَّت ضِيْزَى، بين داخل آل إلى الاستقلال قبل أن يستوي أوطاناً وبين خارج، قوى نافذة كانت مُستعمِرَة، عمَّمت أنموذج الدولة - الأُمَّة داخل كلِّ حيِّز أقامتْهُ، وعيَّنت له حدوداً دولية، واعترفت بها قانوناً.
هي مساومة ضِيْزَى، أو عُدَّت كذلك، لأنها جعلت الحدود المرسومة مُسبَّقاً أو تعسُّفاً أساس الكيان عوض أن تضطلع مكوِّناته الداخلية بتلك الوظيفة التأسيسية، ما يعني أن الكيانات قامت حدوداً قبل أن تقوم أوطاناً، لكنْ، ما لا سبيل إلى نكرانه، من وجه آخر، أن تلك الصيغة الكيانية ثبتت واستقرَّت وتعذَّر إبطالها، طوعاً أو بالقوَّة، على ما دلَّ إخفاق تجارب الوحدة.