من دار الإسلام إلى الوطن ومن الوطنية إلى القومية (حالة البوسنة)
نبذة عن الكتاب
يمثل الاحتلال النمساوي، المجري للبوسنة في عام 1878 نقطة انعطاف مهمة بالنسبة للسكان المسلمين بشكل خاص، إذ شكل صدمة قوية لهم جعلتهم يصحون على عالم متغير لم يتوقعوه ولم يستعدوا له. وعلى الرغم من أن السيادة الإسمية على البوسنة بقيت للسلطان، الخليفة خلال الفترة الأولى 1877-1908 (التي انتهت بالضم)؛ ...إلا أن السلطات النمساوية المجرية كانت تتصرف في البوسنة باعتبارها دائمة، ولذلك فقد شهدت البوسنة تغيرات عميقة في الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية انعكست بطبيعة الحال على المسلمين هناك الذين لم يعودوا في "دار الإسلام" الذين اعتادوا عليها خلال قرون عدة. ومن هنا فقد أخذت تظهر أفكار ومفاهيم جديدة عند بعض علماء المسلمين ولدى الجيل الجديد من المثقفين المسلمين تعبر عن هذه التغيرات الجديدة ومنها "الوطن" و"الوطنية". على الرغم من أن البوسنة تقع بين صربيا الأرثوذكسية وكرواتيا الكاثوليكية وتمثل معها اثنية واحدة ذات لغة واحدة (سلاف الجنوب) إلا أن الكيانية المبكرة والديانة الخاصة بها (الكنيسة البوسنية) في العصر الوسيط جعلها تتميز بالتدريج حتى الفتح العثماني في القرن الخامس عشر، الذي ساهم بدوره في تعزيز الكيانية والهوية والبوسنوية. فقد اعتنقت غالبية السكان الإسلام، مما جعل البشانقة يتميزون أكثر عن جيرانهم الصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليك الذين يشتركون معهم في اللغة الواحدة، ومع اعتناق الإسلام، أصبح البشانقة ينظرون إلى الدولة العثمانية باعتبارها دولتهم، التي تمثل "دار الإسلام" في مواجهة "دار الحرب" في الجوار، على عكس الصرب والكروات الذين بقوا ينتظرون الخلاص من هذه الدولة. ومن المسلّم به أن موقع البوسنة كمنطقة حدودية بين العلمانيين (دار الإسلام ودار الحرب) عزز أكثر هذا الارتباط بين الدين/الإسلام والدولة/العثمانية. فقد ترسخ مع مرور الزمن الإيمان بأن البوسنة هي "حصن الإسلام" وأن واجب البشانقة كـ"حراس حدود" أن يدافعوا وأن يضحوا بأنفسهم في سبيل الدين/الإسلام والدولة/دار الإسلام. وقد ساهم علماء البوسنة بدورهم في ترسيخ هذه المفاهيم عن "دار الإسلام و"دار الحرب" و"الجهاد" في مؤلفاتهم كعلاء الدين علي دده البوسنوي في "الرسالة الانتصارية" ومصطفى الأقحصاري في "تبشير الغزاة" وغيرهم. وبالاستناد إلى هذا لم يعد البشانقة يتصورون حياة أو استمرارية حياة للمسلمين خارج دار الإسلام/الدولة العثمانية إلا إذا أصبحوا خارج الدين/الإسلام ولا شك أن موقف الدول المجاورة في ساهم بدوره في تعزيز هذا التصور. فبعد حوالي قرنين من الاستقرار في ظل التفرق لم تعد دار الإسلام آمنة من الاعتداء عليها والتنكيل بالمسلمين فيها، مما كان يخلق وضعاً جديداً غير متوقع أو غير متصور بالنسبة للمسلمين. فقد كان انتصار الأعداء/الكفار يعني فيما يعنيه بالنسبة للمسلمين، إذا بقوا على قيد الحياة، أن يختاروا أحد أمرين مرّين: أن ينتصروا ويبقوا ضمن الدولة التي أصبحت تضم أراضيهم، أو أن يبقوا مسلمين وأن يهاجروا إلى حيث بقيت دار الإسلام/الدولة العثمانية. ورغم ذلك فقد بقي الشعور بالانتماء/الارتباط بالبوسنة كـ"وطن vatan" قوياً عند البشانقة خلال الحكم العثماني لأكثر من سبب. فبالمقارنة مع المناطق الأخرى (صربيا ومكدونيا وكوسوفو الخ) لم يحدث تغيير ديموغرافي كبير على الأرض، حيث بقي معظم السكان في أرضهم، كما أن الإدارة العثمانية أبقت للبوسنة كيانيتها واعتمدت فيها على نظام "التيمار الوراثي" الذي أدى إلى تشكيل نخبة محلية حاكمة، وهكذا، خلال الحكم العثماني، نجد أن النخبة المثقفة كانت تميز نفسها باللقب الذي يشير إلى موطنها (البوسنوي) حيث تكون خارج البوسنة فقط، أي سواء في استنبول أو في القاهرة ودمشق ومكة والمدينة. من هنا فقد جاءت المتغيرات الجديدة في الربع الأول للقرن التاسع عشر لتهز بعمق هذه المشاعر والروابط التي ترسخت خلال قرون من الحكم العثماني ولتجعل البشانقة يصحون على عالم متغير. وهكذا يمضي الدكتور محمد الأرناؤوط في استقطاب الأحداث التاريخية التي شكلت منعطفات هامة ساهمة في بلورة وتعزيز الانتماء الوطني للشعب البوسنوي الذي كان مبنياً في أساسه على عقيدته الإسلامية التي نافح عنها وكانت النواة والجوهر اللذان شكلا شخصية المواطن البوسنوي. بما في ذلك انتماؤه وأفكاره. ولم يقف الكاتب عند حدود التاريخ المنصرم إلا أنه مضى في استعراض الأحداث التي شكلت في يومنا هذا أزمة البوسنة كموطن. وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف كرس معظم صفحات الكتاب لعرض رؤية أهم الشخصيات البوسنية التي لمع اسمها في سماء السياسة في تلك الآونة، ليعكس من خلالها قوة الانتماء الإسلامي والقومي للشعب البوسني. تلك الشخصيات هي: محمد بك قبطانوفيتش، محمد سباهو، إسماعيل باليتش، عادل ذو الفقار باستيتش، علي عزت بيفوفيتش.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2004
- 143 صفحة
- [ردمك 13] 9786140200111
- الدار العربية للعلوم ناشرون
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب
11 مشاركة