الرئيس الشهيد رفيق الحريري: الحلم، الحقيقة، الخسارة
تأليف
مجموعة مؤلفين
(تأليف)
ليس هذا الكتاب دراسة سياسية تبحث وتغوص في أعماق "ظاهرة" رفيق الحريري بأبعادها اللبنانية والعربية والدولية، ولا يمكن تصنيفه سلفاً في قائمة الكتب العديدة التي ستظهر تباعاً لقراءة الأسباب الكامنة وراء اغتياله الخبيث في تمام الساعة الواحدة إلا خمس دقائق من ظهر يوم الاثنين 14 شباط (فبراير) 2005 في ...بيروت...
هو كتاب يجمع بين دفتيه بعض ما كتبه المواطنون تعبيراً عن عواطفهم إزاء فاجعة اغتيال الحريري، فسطروا مشاعرهم الصادقة على صفحات الصحف والمجلات والدوريات ومواقع الإنترنت.
إذن الكتابات المنشورة، ببساطة شديدة، تعبر عن آراء الناس، نظرتهم، همومهم، خوفهم قلقهم، حزنهم... ولكنها بالقدر ذاته تحكي عن أملهم، شوقهم أحلامهم وعنادهم... ليس الهدف من إصدار هذا الكتاب رصد التحليلات السياسية والأمنية والقضائية، بقدر ما هو محاولة لتظهير صورة رفيق الحريري، الزعيم اللبناني العربي، من وجهة نظر المواطن العادي الذي لم يتعرف إليه ربما إلا بواسطة الإعلام أو المؤتمرات الصحافية أو الإنجازات التي طبعها باسمه في مختلف المناطق اللبنانية.كلمة لا بد منها... (من مقدمة معالي الأستاذ فؤاد السنيورة)
كأنني أقف بالأمس معه عشية تشكيل حكومته الأولى في خريف العام 1992، قال وقتها: "خلال عام أو أكثر بقليل سنكون في حضن ورشة إعادة الإعمار والنهوض، وخلال سنوات، ربما أمكننا تحقيق النمو المستدام والانتقال من الإنماء المتوازن إلى الإنماء الشامل. اللبنانيون إذا اجمعوا يستطيعون بلوغ كل ما يريدون، وإذا كان هناك ثمة خلاف على الماضي فلا ينبغي أن يكون هناك خلاف على المستقبل".
صحيح أنه قد تحقق الكثير مما تمنّاه الرئيس الشهيد وعمل من أجله، إلا أنه بقي الكثير مما كان يخطط لفعله ويحلم بتحقيقه. ويعود السبب في ذلك إلى سببين: الأول ويتمثل بالإعاقات والإشكالات المقصودة التي واجهت الحكومات التي ترأسها على مدى السنوات الماضية ولا سيما الحكومتين اللتين ترأسهما خلال السنوات الأخيرة. والثاني فيعود إلى ذلك الكم الكبير من الآمال العراض والبرامج التي كان يحملها ويطورها الرئيس الشهيد في فكره لكي تتلاءم مع رؤاه للبنان ودوره في المنطقة العربية في القرن الواحد والعشرين. وفي هذا المجال كان يحلو للرئيس الحريري ترداد قول الشاعر: "إذا كانت النفوس كباراً تعبت في حملها الأجسام".
قال أحد حكماء العرب "تضيقُ الأعمار عن الأعمال" وهذا ينطبق تماماً على حالة الرئيس الحريري، فقد أنجز في عقدين ونصف (2005-1980) في المجالين الشخصي والعام، ما يعجز غيره عن إنجازه في أجيال، لكن الأعمار تضيق كما سبق القول. ومن ضمن ذلك الضيق ما كان الرئيس الشهيد يأمله من استقامة في مجال الحياة السياسية اللبنانية، وفي مجال تطبيق اتفاق الطائف، وفي مجال تسريع الإصلاح، والاندماج في الاقتصادين العربي والعالمي، ودخول السوق العالمية بقوة. والواقع أن هناك قصوراً شديداً في هذه المجالات كلها. ولا يعود ذلك إلى صعوبات الظروف فقط، بل إلى غياب الإرادة السياسية والانضباط السياسي. ومن هنا فإن للكلمات التي قيلت في الرئيس الشهيد دلالات كبرى من حيث إنها تعني الأمل وتعني الالتزام، وتعني الثقة بشخص الرئيس الحريري ونهجه الوطني والقومي.
كان الحريري في حياته السياسية صاحب مشروع يتعلق ببناء الدولة وبالنهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبالتقدم. لكنه كان قبل ذلك وبعده حريصاً على البعدين الوطني والقومي في مسيرة حياته السياسية وفي مشروعه. وقد أراد الذين اغتالوه النيل من هذين البعدين والقضاء على فكرة إمكانية الجمع بينهما. لكن التوحّد من حول شهادته، ومن حول أسرته وتياره ونهجه، كل ذلك فوَّت الهدف على الأعداء والمتآمرين.
لقد كانت فكرة أن يكون ضريح الرئيس الشهيد في حرم جامع محمد الأمين، في ساحة الشهداء فكرة خلاقة وملهمة، لكأنما استُنْطِقَت روحه فهمست بها، أو استفتي قلبه فأوحى بما كان. لم ينجح هذا الحبيب بأن يوصي لأنه استوصى قلوب الناس ووجدانهم فعبَّر في حياته عن خلجاتهم واسترجعوا صدى خلجات قلبه ونبْضِه وروحِه عند استشهاده.
هناك إلى جانبه نصب شهداء لبنان الأوائل، وهناك سيلتقي على مدى مئات السنين القادمة ملايين الناس البسطاء، الذين سيعتبرون ويتأملون عند الوقوف على ضريحه وسيظلون يحسّون عبق الشهادة، ويأنس هو رحمه الله بالناس الذين كان يحبهم، ويعرف كم كان الناس يحبونه، وكم كانت تضجّ قلوبهم بمحبته. صحيح أن ضجيج الحاقدين والحاسدين كان أقوى، فجاء استشهاده ليصم ضجيج الناس آذانهم.
رحم الله رفيق الحريري، ونوَّر ضريحه، وشملنا عزَّ وجلَّ والشهيد الكبير برحمته وتوفيقه.