الطبقة الحاكمة في أمريكا ؛ تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية
تأليف
ستيف فرايزر
(تأليف)
يقوم هذا الكتاب على مفارقة أربكت المؤرخين منذ أن كانت الولايات المتحدة الأميركية: كيف يمكن لأمة مكرسة للحرية والمساواة أن تكون بالرغم من ذلك باعثاً لهموميات عظيمة من السلطة والنفوذ والثروة تضعف أسس ذلك التعهد الاستثنائي؟ والأكثر أهمية من هذه المفارقة أن البلد ديموقراطي، والحكم هو للشعب. مع ذلك؛ ...لم يتسلم الشعب مقاليد الحكم، بل النخب، والنبلاء، ومؤيدو التمييز الطبقي، وذوو الامتيازات الطبقية، أحياناً يبدون وكأنهم يمارسون الحكم فيما مصالح الشعب نصب أعينهم، وأحياناً لا يبدون كذلك. هذا وتنطوي بعض التعابير مثل "الطبقة الحاكمة" أو "النخبة الحاكمة على تعارض وتضارب، فهي لا وحي بأنها تنتمي إلى مفردات السياسة الأميركية وتاريخها. بعد كل ذلك، فغن انفتاح المجتمع الأميركي، ومرونته، وتعدديته تتحدى كل ما هو مماثل لـ"الطبقة الحاكمة" بحصريتها، واستمراريتها، وصعوبة ولوجها.
حول هذا الموضوع يأتي كتاب "الطبقة الحاكمة في أميركا" وهو يتحدث عن تأثير الأثرياء والنافذين في هذه الدولة، والمؤلف، ومنذ لحظة بدئها بوضع مفهوم النخب الحاكمة في أميركا في هذا الكتاب، كانا مصممين على إنتاج معجم يلقي نظرة شاملة على هذه النخب منذ الثورة وحتى الحاضر، وهو يشدد على تنوع النخب الاقتصادية التي حكمت الأمة، أو حاولت ممارسة الحكم عليها، وهو يظهر الطرق المختلفة التي اتبعتها النخب لتشكيل عالمها السياسي، والأيديولوجي، والاجتماعي، ويبحث في الانقسامات الداخلية والتحديات الخارجية التي هدّدت هذه العوالم، وأضعفتها في بعض الأحيان؛ ويسبر أغوار المشاكل غير الاعتيادية التي تواجه طموحات النخبة بالتمتع بنفوذٍ سياسي في بلد ديموقراطي. وهو يركز على حالة عدم الاستقرار والتبدّل على أنها ميزات مكمّلة للنخبة الحاكمة في أميركا. ويشمل أحد التحولات الجوهرية علم الإصابة بمرض النفوذ، وفي عصر أواس وجيفرسون، بدت الحكومة الحاضن الأساسي لطموحات النخبة بممارسة نفوذ مبالغ فيه، ومن جهة ثانية، وفي زمن الثورة الصناعية، حلّ المجتمع المدني، ولا سيّما مراكز النفوذ الاقتصادي الكبيرة، مكان الحكومة في تهذيب الاعتداد بالنفس الأرستقراطي. وكانت الحكومة قد أصبحت إمّا خادم القوى الأكبر منها، أو الأمل الملهم لأولئك الذين يرونها الآلية الوحيدة القادرة على طرح الزمر الحاكمة غير المشروعة في البلد أرضاً.
وهذا التبدل الهائل في مكان تجذر السلطة ولصالح من قد يتم نشرها نشأ في معظم المجتمعات التي يجري فيها التحول من آليات ما قبل الرأسمالية إلى آليات الرأسمالية في خلق الثروة. وعلاوة على ذلك، فقد كانت مرتبطة هي أيضاً بتبدل عميق في طريقة تنظيم النخب لنفسها وتخيّل ذاتها. وفي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، تصوّرت النخب نفسها طبقة متصلبة يقوم مركزها الاجتماعي على النسب، والاستيلاء، وأشكال متنوعة من الحصرية الاجتماعية. وهي ترث رأس المال الثقافي وتنال الاحترام من أولئك غير المنعم عليهم بالطريقة نفسها، حتى بصرف النظر عن ملكيتها الحقيقية والشخصية، وعلى مرّ الزمن، باتت هذه الحدود غير واضحة مع التمدد السريع للاقتصاد وجعله مختلفاً لناحية الشكل والوظائف. وبدأ أولئك الذين يشغلون مواقع قيادية في الاقتصاد والنظام السياسي بالظهور كطبقة منفتحة على الوافدين الجدد من عامة الناس. وعقدت هذه المرونة الاجتماعية الجديدة محاولة تبيان من يحكم وكيف يمارس الحكم. وهكذا كان الحال بشكل لافت بما أن رأس المال الصناعي والمالي المتحد الناشئ انتصر أو اندمج مع أشكال من الثروة التجارية والمالكة للأراضي والتي هي أكثر رسوخاً وعلاقة بالسلالة الحاكمة.
وبدوره أدى هذا التكاثر لمراكز النفوذ إلى انقسامات داخلية اتخذت أشكالاً ثقافية وسياسية واقتصادية. والأهم من ذلك أنها خلفت وراءها انشقاقاً داخل "الطبقة التي تتمتع بأوقات فراغ"، وبين أولئك المنهمكين بمصالحهم الشخصية والذين يصمون آذانهم ويغمضون عيونهم عن الأذى الاقتصادي المتعمّد والخصومات الاجتماعية التي تتراكم حولهم، وبين شريحة من ذلك المجتمع عينه، أشخاص كآل روزفلت مثلاً، أو أولئك المولدون على طريقة شخصيات الجيل التالي المنتمين إلى المؤسسة، تبنت بوعي لمصلحة الكومنولث ككل، حتى وإن عنى ذلك المخاطرة بكسب عداوة نظرائهم في المجتمع.
وفي إطار هذه الأوساط، تولّى حسّ بالوصاية الاجتماعية مهمة تلطيف غريزة الانغماس الذاتي بالأهواء والرغبات والشهوات. وفي هذه الحال، فإن إمكانية التعاون مع شرائح ثانوية من الجسم السياسي، حركة العمال على سبيل المثال، تمت دراستها عملياً، مما جعل التحقق من بنية مجموعة حاكمة، فضلاً عن الكينونة التي يمكن إثباتها، أكثر إثارة للاهتمام.
ولم تتخذ الانقسامات العميقة شكلاً ظاهراً قابلاً للقياس إلا خلال الأزمات المميتة فقط. وقد يفكر المرء بالحقبة الدستورية، أو الحرب الأهلية، أو العاصفة النارية السياسية التي ألهبتها انفعالات المنتمين إلى حزب الشعب والمناهضين لتجميع الرسايل الضخمة مع انعطاف القرن، أو الركود الاقتصادي الكبير، أو الهزيمة في فيتنام، ونهاية التفوق الاقتصادي الأميركي العالمي في السبعينات من القرن العشرين. والأمر الساحر في هذه الأحداث أنها تظهر كيفية قيام المجموعة المهيمنة بمواجهة التحدي، وما إذا كانت تستسلم بسبب السلوك المخزي العلني، أم أنها تتغلب عليها سواء من خلال إصرارها على تفوقها أو من خلال تسوية سياسية قاسية، وأيّاً كانت النتيجة، فإن حياة الطبقات الحاكمة وقوتها هي من المواضيع الثابتة التي يتناولها أدب الثروة والنفوذ السياسي في أميركا، وهي مستمرة حتى اليوم بما أن البلد يشهد محن آخر مجموعة حاكمة ولدت فجر "صبيحة ريغن في أميركا"، وهي تكافح إما لبلوغ القمة أو التلاشي في العصر الأميركي الجديد. ويتفحص المساهمون في وضع هذا الكتاب أبعاد هذه الأساليب التي تتمسك بها المجموعات الاجتماعية المختلفة ومن ثم تفقد نفوذها على مرّ التاريخ في هذا البلد.يفضح الكتاب كيف مارست الأقليات الصغيرة من الأثرياء وذوي الامتيازات قدراً كبيراً من النفوذ، وبثبات، في الولايات المتحدة التي قامت على مفهوم حكم الشعب؟ ففي سلسلة من المقالات الرائعة، يتفحص متبحرون رائدون في السياسة الأمريكية تاريخ النخب الاقتصادية الحاكمة الذين تظهر بصماتهم على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية. ونادراً ما قام كتاب في النصف الثاني من القرن الأخير بتوفير نظرة بهذه الشمولية عن الطرق التي اعتمدتها طبقة الأغنياء والنافذين للتأثير من خلال ثرواتها ونفوذها في التجربة الأميركية في الميدان الديموقراطي.
أحد الألغاز الثابتة للسياسة الأميركية منذ أيام المؤتمر الدستوري وحتى إدارة بوش يتمثل بكيفية تمكن النخب الثرية من ممارسة تأثيرها القوي في الحياة العامة في بلد ديموقراطي. وفي هذا الكتاب، يتناول بعض أفضل المؤرخين الأمريكيين هذه المسألة مقدمين مجموعة من الرؤى الجديدة تتعلق بماضي وحاضر الولايات المتحدة الأمريكية. والطبقية هي ميزة الحياة الأميركية التي لا يجرؤ أحد على الإفصاح عنها، ولكن هذه المقالات تقطع مسافة طويلة في اتجاه شرح تأثيرها في السياسة الأميركية.