وطن من زجاج
تأليف
ياسمينة صالح
(تأليف)
نظرت إلى "عمي العربي" ودفعت ثمن قهوته وهممت بالمغادرة قبل أن يشدني من ذراعي فجأة.. نظر إلي بعمق كأنه يعزيني.. أو كأنه يعزي نفسه.
ربما لأنه يدري أن الرشيد لم يكن صديقي تماماً، ولم يكن صديقه، كان واحد نشترك في معرفته.. واحداً نعرف أنه لن يأتي ثانية إلى هنا، وأننا لن ...نحكي عنه إلا بعبارة "كان"! تمنيت لو كانت لي قدرة على قول كلمة مفيدة واحدة لذلك الرجل الذي ظل ممسكاً بذراعي منتظراً مني أن أقول شيئاً ليقول ألف شيء...
لن يفيدنا الحزن يا بني.. لا شيء يعوض خسارتنا، لا شيء يعوضكم خساراتكم أيها اليتامى في وطن سرق اللصوص والقتلة قلبه!
نظرت إليه، خيل إلي أنه سيبكي فجأة، ولكنه راح يتناول سيجارة أخرى ويشعلها ويمتص دخانها بصمت قريب من النواح.
"لنتعلم الكلام بلا إهانات ولنبذل جهداً كي يحترم أحدنا الآخر لأننا سنفترق في الأخير"!
لا أدري لماذا كانت تشدني هذه الجملة لغارسيا ماركيز. كنت أجرها في ذاكرتي كما لو أنه قالها لي. كنت في كل مرة أجدني في موقف ما ألجأ إلى التعويض عبر ما أحفظه من الجمل ومن الأشعار التي أنقلها إلى كراسة خاصة كي لا أنساها.. كي لا أخون فكرتها الأولى ولا أتشبث بكذبتها الأخيرة. أليست القصائد كالمدن. نحبها لأنها تكذب علينا. لأنها تخدعنا وتشوه أحلامنا بالشعر، وبالكلام المنمق والجاهز..