جبال الله ؛ الصراع على الشيشان
تأليف
سيباستيان سميث
(تأليف)
يدّعي الكرملين، في الواقع، أنه يقاتل الإرهاب العالمي في الشيشان، وليس الانفصاليين أو أي ثوار قوميين آخرين، ورغم تضخم وجهة النظر هذه، إلا أنها فشلت لفترة طويلة في إثبات مصداقيتها في الغرب، الذي يرى فيها حرباً داخلية، وليس جهاداً مستورداً. إن التعتيم الإعلامي الشامل تقريباً المفروض من قبل موسكو ...جعل تمرير هذه الرسالة أسهل بكثير.
بعد أحداث 11 أيلول، منح الرئيس الأميركي جورج بوش موافقته المشروطة على مثل هذه الأعمال. لقد كان ذلك بالطبع مقابل تغاضي الكرملين عن نشر قوات الولايات المتحدة في آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً وأفغانستان. لكن منذ تلك اللحظة، بدأ قادة العالم, وصحفيون ومحللون, والذين لم يزر الكثيرون منهم الشيشان، في تغذية النظرية الخاطئة بأن الشيشان جزء من ظاهرة القاعدة. ما هي الحقيقة؟ من ناحية يشكل المتطرفون الإسلاميون في الشيشان مجموعات مسلحة، ويتمتعون بدعم كبير من الجيل الشاب. إنهم يتلقون مساعدات خارجية ضخمة مما يعني امتلاك القوة والقابلية لتنفيذ هجمات إرهابية.
ومن ناحية أخرى، لا يتمتع الإسلاميون المؤمنون بأي دعم من المجتمع الشيشاني الذي يهيمن عليه تقاليد صوفيّة محلية، وهو ما يبين عدم إفساح المجال لأي وافد خارجي، وفي النادر الذكر أن الشيشان من الناحية العملية مكان ليس من السهل على المرتزقة أو المتطوعين بلوغه. ولا وجود في الحقيقة لشيء يشبه الحدود الباكستانية مع أفغانستان. ولا يمكن عبور الحدود الحزبية مع جورجيا سوى في أوقات محدودة من السنة، وحتى عندما لا تستطيع سوى مجموعة صغيرة من المتمردين التسلل. كما أن أرض الشيشان صغيرة للغاية، وستحتاج مجموعة صغيرة من الثوار إلى أن تكون على دراية كبيرة بالمناطق المحلية حتى تستطيع دمج العديد من الأجانب بين صفوفها. يضاف إلى ذلك أنه لا يوجد دليل مؤكد على تورط ملحوظ للشيشانيين في قتال قوات الولايات المتحدة في أفغانستان أو العراق من أن مصدر مستقل.
وللتاريخ: ليس بين المواطنين الروس الثانية المحتجزين في معتقل غوانتانامو أي شيشاني. يبقى الاحتمال المرعب أن يهيمن المتطرفون على المقاومة المسلحة بعد موت مسخادوف، الذي يمثل كل الإسلاميين المعتدلين والقوميين العلمانيين. إذا حصل هذا الأمر فسيكون كارثياً بالنسبة لروسيا، وبالنسبة للشيشان على وجه الخصوص.
بمثل هذه النظرة التحليلية الواقعية يحاول سيباستيان سميث مقاربة الأزمة الشيشانية الروسية التي يرى أن حقيقتها تختفي في ثنايا الزوايا كما يحدث غالباً في روسيا, مضيفاً بأن الأسباب الحقيقية وراء استحواذ الشيشان على تفكير الكرملين سنة 1994 ومجدداً سنة 1999 والتي دفعت بالقادة الروس للغرق ليس مرة وحسب وإنما مرتين في ذلك المستنقع العسكري والسياسي, يعود ذلك إلى أمرين أحدهما مرتبط بالأمن القومي والاعتبارات الجيو-استراتيجية، فيما يرتبط الآخر بالمصالح الأنانية للحلقة الضيقة من سياسة الكرملين. يحاول سباستيان تسليط الضوء على تلك الأزمة من موقعه كمراسل صحفي شاءت له الظروف بحكم عمله أن يكون في تلك المناطق أبان الحرب الروسية الشيشانية. لذا فقد جاء كتابه ناطقاً بالحقيقة إذ كان العين المراقبة والفكر المحلل لما مرّ من أحداث في تلك الحرب ويمكن القول بأن ما يحتويه الكتاب إنما هو يوميات سيباستيان سميث في تلك الفترة الحلاجة من تاريخ الشياشان، بالإضافة إلى مقتطفات تاريخية وتقارير صحفية حيث حاول سرد قصة كفاح هذه الأمة المرير ضد الجبروت الروسي.تقول الأسطورة أن الله عندما خلق الدنيا، نشر الأمم عبر البسيطة، ونشر عبر جبال القوقاز وأوديتها خليطاً من كل الأعراق، لذلك أطلق الرحالة القدامى على القوقاز لقب "جبال اللغات". حيث عبر اليونان والفرس والرومان والعرب والمغول والأتراك هذه المنطقة، التي أثار جمالها خيال الشعراء والفنانين رغم تاريخها المأساوي -حيث أنها بليت بسلسلة مستمرة من الأزمات.
تعتبر القوقاز منطقة ذات موقع استراتيجي بالغ الأهمية -إذ أنها تقع بين إيران وتركيا وروسيا، كما تعبرها بعض أهم أنابيب نقل النقط في العالم.
لقد بدأت الأزمة الأخيرة التي تعاني منها القوقاز عندما أرسل قلاديمير بوتين قواته إلى الشيشان في العام 1999. وقد قتل الآلاف من الجنود الروس وآلاف غيرهم من المدنيين والثوار الشيشان، كما تم تدمير قراهم ومدنهم. سافر المؤلف إلى الشيشان خلال هذه الفترة، فتولدت لديه مادة هذا الكتاب نتيجة يومياته هناك، بالإضافة إلى مقتطفات تاريخية وتقارير صحفية حيث يسرد قصة تصدي هذه الأمة المكونة من قبائل جبلية لجبروت الجيش الروسي. وهي كذلك قصة تاريخ وشعب وثقافة القوقاز ومجموعات أثنية صغيرة تكافح للدفاع عن ثقافتها وعن بقائها.