قسم البرابرة
تأليف
بوعلام صنصال
(تأليف)
لم تبق للمقابر تلك السكينة التي تعرف كيف تتلقى الاحترام، وتلطف الآلام وتحث على حياة أفضل. أضحت جرحاً فاغراً ولغطاً يتعذر إيقافه، الحفر بالمجرفة الآلية، والدفن بالصفوف، والناس يتحاشرون على مدى البصر. يموت الناس مثل الذباب، يبتلعهم التراث، لقد فقد كل شيء معناه.
في هذا اليوم ومثل الأيام السابقة، يتم دفن ...ضحايا الإرهاب الجدد. الإرهاب يعيث فساداً في كل مكان. في حقيقة الأمر، إن هذه العداوة لا اسم لها. فهي حرب إن أردنا، عنف بعيد وقريب في آن، بدعة عبثية وفاسدة، شيئاً فشيئاً، تخترع قناعاتها ومخططاتها، وحشية بنهم غريب، تتلذذ بإيذاء الأبرياء، وتعبس في وجه الأنذال. ممثلوها؟ هم جميع الناس تقريباً ولا أحد نستطيع أن نؤشر اتجاهه قائلين: إنه هو، إنه ذاك الرجل، يعاني الجميع من عذابها، ينوحون من فظاعتها، ينددون بجرائهما، وفي المقابل يؤيد الجميع فكرة أنها لم تحقق أهدافها بعد، وعليهم أ، يؤججوا نيرانها، ويستغلوا حدة التأوهات للحث على بذل الجهد الأخير.
كنا سنسميها حرب إبادة لولا رفض الممثلين لهذه اللفظة الثقيلة الوقع.
إنها جنازة سي موح، شخصية مهمة، تاجر واسع الثروة، أفضل الرجال.
هكذا هي مدينة الرويبة، الموت على أبوابها وينشط لتقريب آجالها. ولكن لا بأس، المصيبة إذا عمت خفت، إنه لعزاء ضئيل، فليست هي وحدها التي مسها الشر، لقد عم الخراب والبغضاء كل أرجاء البلد.
"..يحكي بوعلام صنصال في روايته الأولى "قسم البرابرة" مآسي بلده الجزائر، لا يرغب أحد سماعها ولا تصديق واقعيتها. بني معمارها العام على شكل قصة بوليسية. يكلف مفتش شرطة بالتحري حول جريمتين متوازيتين. فينقلنا، دون قصد مسبق، إلى فك النقاب عن أوكار الثعابين والأفاعي. طبعاً، تسقط أقنعة كثيرة، يختلط الحابل بالنابل. من المجرم الحقيقي؟ شبكة من المفاجآت. وهنا تظهر عبقرية الكاتب ومعرفته العميقة بمجتمعه اخترع لنفسه لغة قوية، زاهية الألوان، فظة الدلالات، موحية، تطفح بالرموز والصور الشعرية المعبرة، والتلاعب بالكلمات، والأمثال المحرفة. ضد الجنون العادي ضد قاموس أفرغ من كل معانيه بأكاذيب الخطابات الآتية من كل الأطراف.
فبفضل تتابع الصور الشرسة والخطابات الساخرة إلى حد الابتذال، مزق بوعلام صنصال الأساطير الكاذبة والحجج الواهية للجزائر المعاصرة".