شظايا الذاكرة
تأليف
سليمان رشيد سلمان
(تأليف)
"يسمع الجميع صوت الجرس يدق بشكل متواصل، تنهض علياء نحو الباب لتفتحه... يسمع الجميع صوت صراخها يعلو على أصوات العائلة... تسارع لترى ما الذي حدث لعلياء.. يتغامز الجميع نحو القادم الجددي الذي قدم بصحبة مؤيد... تتطلع يسرى ورؤى وجميلة إلى صادق وأمل وعلياء وعيام يقبلون المرأة الضعيفة القوام التي ...اعتلى رأسها تاجاً مضنياً وانتثرت ابتسامتها الحنون لتنسكب على كل من يحيطها.. الدموع انسابت من مآقي الكبار تصحبها ضحكات... الجميع يقبّل هذا الزائر الجديد ثم تتقدم والدة صادق نحو رؤى ويسرى وجميلة وفي عينيها الدامعتين الضاحكتين تساؤل عن أسماء الشابات الجميلات اللواتي وقفن أمامها... يأخذ صادق بيد والدته ويقدمها للشابات اللواتي ارتسمت على وجوههن علامات شك. قبّلوا جدتكن يا بنات، أمي هذه رؤى وهذه يسرى... أقبلت الفتيات يقبلن بدرية والكل غير مصدق أن التي أمامهن هي جدتهن، ها هي السنون تمضي وهي بعيدة عنهم وأقرب ما تكون إلى ذكرى جميلة لطفولة ماضية، لا يزال في الذاكرة شبح ذلك الجدّ المحب والجدّة الحنونة... ها هو الشبح بذكراه العطرة امامهم يقبلهم ويستنشق الحياة من مرأى وجوههن النضرة الشابة، ترجع بالشابات إلى سنوات مليئة بالضباب الأسود وتبعثره لتسترجع تلك السنوات المليئة بمرح الطفولة".
إنها شظايا ذاكرة عائلة من عائلات العراق التي عانت حياة التشرد والضياع بسبب الحروب المتسارعة على أرض الوطن. يستعرض الكاتب تلك المأساة من خلال مناخ روائي مشوق منتزع من توارد ذكريات شخصياته المحورية: صادق، علياء، شاكر... التي عاشت تجارب عاطفية سياسية اجتماعية مثلت جزءاً كبيراً من تاريخ حقبة من حقبات العراق بأزماته وحروبه وضياع أفراده بين الشعارات الحزبية وبين الواقع بكل تطوراته. رواية تدخل في عمق الإنسان العراقي، تعكس معاناته انكساراته وطموحاته وآماله التي منها يستمد حياته.لماذا لا نعود إلى موضوعنا القديم، لقد لاحظت منذ مدة اختفاء الرجل شبه العاري من شارع الرشيد، لقد تساءلت مع نفسي، ماذا أصابه؟ هل مات؟ أم إنه انتقل إلى شارع آخر بحثاً على الرزق؟
أجابني ياسر وهو يعب الماء: لا هذا ولا ذاك! قبل مدة أخبرني أحد أقاربي، بأن رجال الحكم الجدد وبعد مراجعة الملفات القديمة في الأمن العام، وجدوا ملفاً خاصاً به، اسمه ناظم، ضابط في الأمن العام، مهمته الإشراف على شبكة واسعة من المخبرين السريين الذين قسموا شارع الرشيد إلى قطاعات مختلفة، كانت معظم التظاهرات تنطلق من شارع الرشيد، عندما كانت الأحزاب تنظم مسيرة احتجاجية فإن الشرارة تأتي من هنا، من "القهوة البرازيلية" و"المريعة" وكلما توجهت المسيرة إلى "باب المعظم" كلما رفدتها جموع أخرى من الأحياء المنتشرة على حنبات شارع الرشيد، مهمة النقيب ناظم ومجموعته انحصرت في إشغال المظاهرات إلى حين وصول رجال الشرطة للتعامل معها.
أنت لم تكن لتشترك كثيراً في هذه المظاهرات لتتذكر هذه الأحداث لكني أتذكر أحد الأشخاص، كان يهتف بصوت جهوري في المظاهرات التي كانت أحزاب الجبهة الوطنية تنظمها قبل ثورة تموز، كل حزب اعتقد بأن هذا الرجل قيادي في الحزب الآخر، بعد الثورة وفي مديرية الأمن وجدوا ملف هذا الرجل، للغرابة فإنه كان ضابطاً فيها. تصور التعابير على وجوه بعض الإخوان من الأحزاب الوطنية عندما اكتشفوا الأمر.. البعض أخذ يضحك... الآخر أصابته الدهشة وفغر فاه!