هذا الكتاب فريد من نوعه، لم يسبقه على شاكلته كتاب آخر، فالطبيب إذا كتب يكتب عن إنجازاته ونجاحته، ليس عن انكساراته وخيباته. يكتب عن نقاط قوته وتميزه، ليس عن نقاط ضعفه ووهنه.
فكل من يحلم بأن يكون طبيبا، يعتقد أنه مقبل على انقاذ حياة الآخرين وأنه سوف يقضي أيامه في مواجهة مظفرة مع الموت، يشهد على أثرها مواكب المرضى المعافين مفعمين بالحياة والابتسامات والشكر والعرفان والتربيت على الأكتاف، ومالم يحسب حسابه هو عدد حالات الموت التي ستكون جزءا من عمله كطبيب.
ويندر من الأطباء من يتصور أنه عليه العناية بمرضى مصيرهم الموت، وأنه آخر حارس على الحياة، وانه سيتحمل مسؤولية رعاية مرضى نهاية العمر وأسرهم في مراحل النهاية وتعقيداتها.
تقول في مقدمة الكتاب:
"كنت أعتقد أنني مقبلة على إنقاذ حياة الآخرين"، " وما لم أحسب له حسابا كان عدد حوادث الموت التي ستكون جزءا من عملي كطبيبة"
فطلاب الطب يبدؤون دراستهم وهم يواجهون حالات الموت مباشرة على شكل جثث، ثم يمزقونها إربا، وتتحول كل تفاصيل الجثة ــ كل عظمة أو عصب أو وعاء دموي أو عضلة ــــ من عالم مجهول الى عالم المألوف، ويسير كل تجويف ويستكشف كل اخدود، ويفصل كل صدع، وفي التعرف على الجثة بهذا التفصيل الدقيق فإننا نحصل على المعرفة التي تساعدنا في التغلب على الموت.
فالطبيب في بداية عمله يضمر في نفسه كرها عميقا للموت، ويتعلم خلال سنوات تدريبه أن يكبح أية مشاعر إنسانية نحو المرضى المحتضرين، كما لو ان التمكن من ذلك سيجعل منه أفضل طبيب.
وهذا الكتاب يشمل أفكار د. بولين حول الموت، والثقافة الطبية المتعلقة بالعناية بالمرضى في نهاية العمر، من خلال قصصها الشخصية وخبرتها السريرية، وتجربتها الطبية والإنسانية.
وتتخلص فيما تعلمته هذه الطبيبة الجراحة من خلال ممارستها مع مرضى في أيامهم الأخيرة، هو أنها تستطيع تقديم "شيئا أعظم من الشفاء. فأستطيع تقديم الراحة لمرضاي ولأسرهم".
في القسم الأول تركز على المبادئ، على أقدم الدروس في كليات الطب تشريح الجثة، الإنعاش الأول، اعلان الوفاة، هذه الخبرات المبكرة، تعد الطالب نفسيا وعاطفيا لتصبح أساسا لممارستهم المقبلة.
والقسم الثاني يتم التركيز على الممارسة الطبية والعمل السريري، فيبين كيف ان الاستجابات المهنية لا تظهر فقط، وإنما تظهر وتدوم طويلا ففي عالم الطب يوجد تناقض جوهري: فهي مهنة قامت على أساس العناية بالمرضى، وبنفس الوقت عدم التأثر الشخصي وبشكل منهجي بالمرضى المحتضرين.
والقسم الأخير إعادة التقييم يبحث عن كيفية جعل التغيير أمرا ممكنا، فهناك تحولات صغيرة، لكنها مبشرة حول اهتمام الأطباء للعناية بمرحلة نهاية العمر.
وبإمكانية تحويل طريقة التعاطي الطبي مع المرضى خاصة الذين وصلوا إلى المرحلة الأخيرة، باتجاه أكثر إنسانية ورحمة، وذلك "فقط كي نستطيع أن نؤّمن لمرضانا وأحبائنا نهاية كريمة..."
"سوف تكونون أطباء أنجح إذا استطعتم أن تحلوا محل مرضاكم أي أن تشعروا بشعورهم"
الكتاب رحلة في أعماق النفس، لشخصية ذات حس مرهف، كتبته أنامل جراحة تجيد تطبيب الجروح فأجادت انتقاء الكلمات والجمل، وقدمته بطريقة روائية شيقة وبأسلوب أدبي جذاب ومثير، وهو إضافة للأطباء ولكنه مفيد كذلك لغير الأطباء المهتمين بالمواضيع ذات العلاقة بعلم النفس.