أحزان شقائق النعمان
تأليف
سلمان رشيد سلمان
(تأليف)
يتنقل الآمر سعيد هن وهناك ليحصي عدد القتلى من الطرفين، بالنسبة إليه فهذه الأجساد التي فارقتها الحياة واخترقتها سهام العدم والفناء لا تعني له شيئاً، اعتاد خوض غمار المعارك حتى بات الموت بالنسبة له أقرب من حبل الوريد. أخيراً يصل إلى حيث سجي جسد صفاء معانقاً الأرض، فيهتف بصوت عال: ...مجيد تعال إلى هنا!
يقفز مجيد بسرعة ملبياً نداءه، قلبه يتفجر كبركان، يتطلع إلى حيث أشار سعيد بعصاه وضربات قلبه تتسارع. كان جسد صديقه يحتضن الأرض التي طالما أحبها وتغنى بجمالها كما لو أنها حبه الأزلي. تجمدت الدماء على ملايسه، الطلقات القليلة التي تلقاها كانت كافية لإنهاء حياته، وجد قبضة يده اليسرى مليئة بأزهار شقائق النعمان. أحب الحياة إلى الحد الذي جعله يملأ قبضته منها، أما يده اليمنى فقد رمت السلاح وامتدت عبر الفضاء الرحب مشيرة إلى اللانهاية بشكل يوحي أنه كان يريد أن يقول شيئاً لخيال يتمثل أمامه، امتدت يده عبر الفضاء بحثاً عن يد أخرى تعانقها، يد تشاركه بهجة احتضان الكون وعبق الأرض، ربما كان يريد أن يمسك بيد من أحب إلا أن يد المنون كانت أسرع من كل شيء.
حينما قلب مجيد جسد صفاء وجد وجهه هادئاً بشكل غريب، سمات إنسان يعرف أنه سيودع الحياة.هذه روايتي التي رجوت أن تكون جزءاً من مدونة تحكي بعض من الوجع الذي يعاني منه الفرد العربي، خاصة بلدي العراق، هذا الفرد الذي عانى ويعاني من قمع لرأيه ومشاعره وإجباره لخوض حروب لا يؤمن بها.
الحرب تفجر بركان، بل براكين، في النفس البشرية وتجعلها تخوض صراعاً داخلياً ربما أشد وطأة من الصراع الخارجي. فالصراع الداخلي هو بين القيم الاجتماعية والفردية، وبين القيم التي عاش عليها الإنسان والقيم التي فرضتها الحرب عليها.