لو سألت الطائي وطلبت منه الجواب لقال لي: كلّنا هذا الضيف في بيت الحياة نتسكع، وقليلٌ منا مَنْ قفز به جناحه قفزة العقاب متعالياً عن جرجرة السيقان وتثاقل الأقدام وحمل الأطيان على عاتق السرمدية التي لا تلد غير التراب!
حاطب ليل ضجر
نبذة عن الكتاب
"أبوي: ما أبعد المسافات الزمنية بيننا، ما أكثرها ظلمة ووحشة وكثافة. ما أبعدها حتى وإن ركبت إليها سرعة الضوء. وما أقربها وألصقها بقلبي وروحي حين تقول لها هذه: أفسحي لي الطريق وتلاشي. فليس في جسمك الضخم وتمددك الزمني عائق تتعثر به خطاي، فصخور الجبل اليابسة، وصمتها المطبق وجسمها البدين ...وثقلها على جبهة الأرض، كلّ هذا لا يساوي شيئاً بالنسبة إلى الإنسان، وما على عقله وذهنه وفكره من أحمال تضطرب لثقلها عليه أسئلة حار فيها، واختلف في الجواب عنها!! والحيرة إلى أي مرتبة ترتقي؟ أهي نكران وشك وجحود، أم عبادة وتأمل وسقوط في جوف المعاناة من أجل الحقيقة، من أجل الله؟ إن رياح تساؤلاتي وحيرتي لم تلفحها عندي فلسفةُ هذا أو ذاك، ولم تثرها من مباركها وسوسة الضلال والفجور، فرواحلي المسافرات بي إلى أعماق هذا الوجود محاولة غير يائسة في أن يكون لي في كل خطوة أخطوها على قدمي عقلي وروحي وفكري مكان أسجد فيه وأصلي صلاة العقل والوعي والروح، لا صلاة الشبح الذي يتحرك وكل شيء فيه نائم لم يستيقظ على المعنى العظيم لفريضة الصلاة!..". ذاك كان مقطع من رسالة من رسائل حاطب ليلٍ ضجر. إن ما في هذه الرسائل قوافل من سوارح النفس ملت المقام وضجرت ثم تداعت في غير انتظام على فم قلم التويجري الذي تحامل على شيخوخته وحاول أن يمشي في مفازات نائية داخل نفسه. وما طرح له حبله واحتطبه في هذه الرسائل يراها ليست إلا أعواداً يابسة أكلت سراب الجراد واخضرارها فشاخت كشيخوخته. والقارئ مع هذه الرسائل أمام مذهب فذّ في فن الأدب، اكتسب هذه الصفة النادرة المثال، العزيزة المنال، من البساطة التي لا يقدر عليها إلا من جاءته هبة من السماء والأروع من ذلك هذا الالتزام الخلقي الذي ينساب كالماء الصافي من النبع، فالكاتب لا يقول بأنه فاضل أو كامل، ولكن قارئه لا يشك في ذلك لحظة لعمق احترامه لكرامة الإنسان، وغيرته على حريته، وحرصه على أن يكون العدل والبر والخير عند البشر اختياراً، لا إجباراً واضطراراً. وصدقه في الإفصاح عن ذلك واضح وظاهر، فإن ما يتجلى تحت قلم هذا الكاتب روحاً نورانية شفافة، تسبح في ملك الله اللانهائي، تشق أمواج الزمن الصاخبة المتلاطمة، تركي كل دقيق وجليل، وتقف بك على أطلال الفكر السابق التجهيز، وعلى رسوم العيش المحدود بالجدران والأسوار، وبتواضع ساحر يتسلل إليك صوتها إن انطلق!من سيقرأني في هذه الرسائل قد يراني، أو لا يراني، متوارياً خلف جدر نفسية، وهذا الاحتمال من أن يكون لي قارئ لا أبنيه على فلسفة تعرض نفسها على الطريق العامة، ولكني بقدر طاقتي واحتمالي حاولت أن أبني على هذه الأوراق صور أثقلت كاهلي فقلت لها: تحولي عنه إلى خارج البيت الذاتي! فمن لا يرمي أثقاله وهمومه عن عاتقه في مثل هذا الهذيان الذي لا يعني غير كاتبه، فقد يتآكل في ذهنه وعقله وتفكيره كل جميل في هذه الحياة ويصير إلى جذع بيس وتخشب لا ظل له فيطرحه لتستريح فيه ذاته من طول السفر...التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2008
- 359 صفحة
- [ردمك 13] 9786140201378
- الدار العربية للعلوم ناشرون
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب
9 مشاركة