شواطىء الكريستال
تأليف
سامي القريني
(تأليف)
"جلس الليل على كرسي الكون، وكانت طاولة الأنجم فارغة الا من أوراق الغيم ...وبعض فتات الريح وما تركته الشمس قبيل غروب موانئها في العتمة، والأشجار ضباب يزحف كالثعبان. على الرمل المنثور...على جثمان الدرب، البحر رفيقاً كان... كحزن إمرأة تركت تحت وسادتها البيضاء دموع رسالة عاشقها المقتول وبين يديها هلوسة ...الجوري الأحمر قبل النضج... وأما الليل ...فكان يراقص عزلته ويدندن لحناً يشبه موتي، في الطرقات، وكنت أنا وحدي في الشاطئ أبحث عن سفنٍ لا تأتي من مدن لا أصل لها..!
والبرد يزلزل كل ضلوعي... قلت سأمشي والخطوات أراها خلفي تتبع ظلاً آخر غيري، وربى أرقي إنتظرت تحت سياج وصولي، كنت غريباً عني تحديداً عاتقت ًشيزوفرينياً الذات المخمورة بي، بخرت ثياب الشبق التائه فيّ، وأثثت لنفسي مملكة قلت: دعوني ياسكان الأرض فإني أعرف كيف أخط على شرفات الغيب رسائلي الممنوعة، إني الآن سكبت جنوني في قدحي وهزمت ظنوني. وأمامي في الشارع في كبد الظلمة يحرث ضوءاً، يبني وطناً من أرصفة لا تحمل غير خطى الوهم، يئن الجوع، ويبكي العطش، في جيبي مئتا فلس، ورق، أعواد ثقاب، علبة تبغ، قد أحرقت بها رئتي دخاناً، حتى جنّ النبض، إرتفع الضغط، وقلبي فوق زجاج عظامي- دون يقين مني-كندى الوردة يرتعش...
أذكر أني...لكنّي، أنسى! ذاكرتي سقطت فوق الزبد اللاهث، وإبتلت بأنين دقائقي الجرداء عيون الأضواء الخافتة، الآن صلبت على قافيتي الوجع اليابس، وتقمصت بلاداً أبعد من يأسي كي أرحل...
تمضي النفس جزلى في إحتفاليات هذه القصيدة، كما قصائد هذا الشاعر، المترفه بالمعاني والتي تبدو كريستالية شفافة وكأنها حلم طفل. تنسل هذه المعاني وتمضي لتخلق داخل النفس عوالم حالمة وصور وخيالات وموسيقى تترنم على وقعها المشاعر والأحاسيس ليبقى صداها متردداً دون إنتهاء."هذا أنا وحياتي هكذا أبداً في الأرض جسمي وعقلي في ذرى زحل"."أصوم عن كل شيء ما عدا القبل عن ثغرك الدافئ المكتظ بالعسل، أصوم عن ماء كل الأرض سيدتي مجنون، قولي.. وعن عشقي فلا تسلي، فدى لعينيك أشجاري وخضرتها، وللخدود سماوات من الشعل لا تتركيني، فإني قد نذرت دمي أن يرتوي من غرور الأعين النجل، يا من سرقت حياتي إذ عبرت بها يا من تركت فؤادي جد مشتعل، ضمي بكفيك أيامي ووحشتها فإن في القلب شيئاً بان في المقل، تأملي حزن وجهي، قد كبرت به يأساً، وأدمن عمري خمرة الملل هذا أنا وحياتي هكذا أبداً في الأرض جسمي وعقلي في ذرى زحل!".