الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي
تأليف
محمد جديدي
(تأليف)
"البراغماتية الجديدة والمتطورة هي في الأخير فلسفة "إنسانية"..." وهي التي يؤمن بها الفيلسوف ريتشارد رورتي الذي يتحدث الكتاب عنه. فإن كانت الحداثة قد جاءتنا بالعقلانية وبالفكر وبوعي الذات، وما بعد الحداثة جاء لينقضها، مشيرا إلى تاثير السلطة على الفرد (نيتشيه مثلاً)، أو إلى تأثير اللاوعي (فرويد)، فإن الفيلسوف "رورتي" ...ينقد هذه التصورات إلا أنه لا يرفضها كلها، بل يعالجها معالجة حسب نتائجها وتفعيلها في الثقافة وفي الحياة اليومية..".
هو يوافق مثلاً على الحداثة من ناحية الدور الذي لعبته البرجوازية في تقدم العلوم، لكنه يهاجمها في اعتمادها العقلانية والكونية. كذلك هو مع ما بعد الحداثة في انعتاقها من التراث واعتناقها نظرية النسبية، لكنه ضدها في إفراطها باستعمال المصطلاحات لدرجة تفريغها من محتواها.
يحاول رورتي التوفيق بين عالمين مختلفين، وبين نظريتين متطرفتين، فيجهد لخلق حل توافقي، كالحل الذي يحاول الفرد وضعه للتوفيق بين وضعه الخاص وبين العام، مما يؤدي إلى تحقيق مصالح الجماعة في المجتمع من مساواة وعدل، دون أن يمحي إبداع الفرد وخلقه المرتبط مباشرة بحريته وحرية فكره، وهوالذي في نظره، من يدفع بالمجتمع إلى الأمام، ومن يؤسسس لمستقبل متطور.
فلسفة رورتي بصفتها جزء من الفلسفة الأميركية التي تحتل" على الرغم من حداثة تجربتها مقارنة بالفلسفات الأوروبية الأخرى، حيزا هاما ومكانة متميزة في الفكر الفلسفي العالمي ما فتئت تتعاظم قوة وتزداد انتشار بفعل طروحاتها المميزة..". لا بد إذا من مقاربتها، وهذا ما يفعله الكتاب بجدارة."...هذا الكتاب المتميز قد تعمق فعلاً في الموقف الفلسفي الذي تفرد به رورتي في خضم النقاشات والحوارات الفلسفية التي كانت سائدة في بلاده وفي أوروبا. فسلط الأضواء على حركية النقد التي استهدفت الحداثة وما بعد الحداثة في الآن داخل تلك المقولات الفلسفية متوجهاً تارة نحو الأنوار باحثاً عن جدواها حاضراً وإلى فلسفة ليوطار وما أنتجته من معطيات على الصعيد الأدبي والفكري تارة أخرى. فقد كان نيتشه، فيلسوف النقد والتهدم، هو الذي دشن حركية انهيار ركائز الفكر الحديث وهو الأول الذي أظهر تلاشي الروح الحديثة حسب الفيلسوف رورتي. وملاحظة جديدي أن رورتي يعتبر ما بعد الحداثة هي ما بعد نيتشه ذكية جداً وفي محلها لأن الفكر الفلسفي قد تحرر من سجن الذات وغطرسة الحقيقة المطلقة مع نيتشه. وقد شدد على ذلك هذا الكتاب وبين أن الذاتية المركزية قد انهارت وأن المثالية قد وصلت إلى مأزق وأن البراغماتية الجديدة هي الوحيدة التي تستطيع معالجة التنوع في عمله اليومي وهي التي يمكنها أن تؤكد على وحدة فعلية للإنسان".