أراض طالت وعود عودتها
تأليف
آرون ديفيد ميلر
(تأليف)
"البحث الأميركي عن السلام بين العرب وإسرائيل"، أعطى الكاتب هذا العنوان العريض لكتابه هذا، ليحكي كل الحكايا حول المفاوضات العربية الإسرائيلية ، وليفضي بكل ما كان يحصل وراء كواليسها من أحداث، ولبعرض آراء وتوجهات المعنيين فيها من الرؤساء السابقين لأميركا، ووزراء خارجيتها السابقين، إلى القادة السياسيين العرب والإسرائيليين، من ...خلال المقابلات التي أجريت معهم.
فمن موقعه كمستشار لعدد من الرؤساء الأميركيين ووزراء الخارجية ومستشاري الأمن القومي، وكأحد المفاوضين المشاركين المباشرين في عملية السلام بين العرب وإسرائيل، أستطاع الكاتب وهوالمؤرخ والمحلل السياسي، من الوصول إلى وجهة نظر فريدة تجاه هذه المعضلة المستمرة.
بأسلوب روائي شيق ومثير للفضول، ومن منظار شامل وحس نقدي، يفّصل الكاتب السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، ويعطي صفاتا موجزة وذات دلالات سياسية وتاريخية لرجال أميركا الذين عملوا على هذه المفاوضات وعايشوها، فهنري كيسنجر "صاحب الاستراتيجيات"، وجيمي كارتر "التبشيري"، وجيمس بيكر "المفاوض"، وبيل كلنتون"الرجل اللطيف" الذي أفرط في حبه للعرب والإسرائيليين، وجورج دبليو بوش "المتملص".
لا يبخل الكاتب بالإدلاء بمجموعة من الوقائع والحقائق ويطلق على أثرها الاستنتاجات، فيقول مثلا: "كل من يعتقد أن الإسرائيليين والفلسطينيين قد اقتربوا من الاتفاق في أي من مفاوضاتهم الأخيرة" "فلا بد من أنه قد أمضى وقتا طويلا في عالم الخيال".
ويتساءل في القسم الأخير "هل يمكن تحقيق السلام العربي-الإسرائيلي، وما الذي يمكن لأميركا أن تفعله من أجله؟"، ويجيب فيما يجيبه:"لسنا قادرين على دفع القطار إلى الأمام بالدرجة التي كنت أتصورها"، أما "تحقيق ذلك فيستحق كل ما يتطلب من جهود.."طوال مدة استمرت قرابة عشرين عاماً، كان الكاتب آرون ديفيد ميلر يلعب دوراً مركزياً ضمن الجهود الأميركية في التوسط من أجل تحقيق السلام العربي-الإسرائيلي. وكان موقعه كمستشار لعدد من الرؤساء ووزراء الخارجية ومستشاري الأمن القومي قد منحه وجهة نظر فريدة تجاه مشكلة ظل القادة الأميركيون يتصارعون معها لما يزيد عن نصف قرن من الزمن. فما الذي جعل الدولة العظمى في العالم تفشل في التوسط، أو في فرض حل، في الشرق الأوسط؟ ما هو المطلوب إن كان الحل ممكناً؟ وبعد كل هذه السنين من الكفاح والفشل، ومع اضطراب المنطقة بأسرها بشكل لم يسبق له مثيل، ما الذي يجعل الأميركيين يهتمون أو حتى يبالون؟
وباعتباره مؤرخاً ومحللاً ومفاوضاً، فربما ما من أحد مؤهل لإجابة عن هذه التساؤلات بشكل أفضل من آرون ديفيد ميلر، الذي يعرض على القارئ بأمانة ووضوح، وبلا أي تحيز أو اتهام لأحد، كل ما تم بصورة صحيحة وكل ما انتهى إلى الفشل. إنها وجهة نظر أحد المشاركين المباشرين في عملية السلام، من موقعه على طاولة المفاوضات، وهي وجهة نظر مليئة بروايات لا تنسى وبإيجازات شيقة عما كان يجري خلف الكواليس. وتتضمن أيضاً مقابلات جديدة مع جميع اللاعبين الرئيسيين، بمن فيهم الرؤساء كارتر وفورد وبوش الأب، وجميع وزراء الخارجية التسعة خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى قادة عرب وإسرائيليين وهم يكشفون عن توجهاتهم الخاصة وعن الاستراتيجيات التي كانت تحركهم. الحصيلة هي كتاب يحطم جميع الانطباعات المسبقة حول سبل معالجة القضايا الثقافية والدينية، وتلك المتعلقة بالسياسة الداخلية والأمن القومي، التي كانت قد حددت -وكثيراً ما ضللت- نصف قرن من المفاوضات.
ما من شك في أن هذا الغرض الناقد والمقدم بكل أمانة سيثير الخلافات، فإنه يعرض على القارئ تحليلاً جديداً فذاً لمشكلة السلام العربي -الإسرائيلي وكيف يمكن- بعكس جميع التوقعات-إيجاد حل لها.