مؤسسة ضبط الساعة
تأليف
أحمد حمدي طانبنار
(تأليف)
كثير من الحنان والحنين، وكثير من السخرية التي تصل حد الفكاهة في هذه الرواية الغنية التي تشكل بانورما للمجتمع التركي في ماضيه وحاضره، عبر شخصيات موغلة في واقعيتها، وموغلة في دلالاتها. هي شخصيات الحياة الماضية العالقة في الذاكرة وفي تكوين الذات، وهي النماذج الأخرى المعاصرة، وهي في كلتا الحالتين ...حين تعبر عن نفسها، إنما تعكس زمانها ومحيطها الاجتماعي ومختلف شرائح مجتمعها، بتلاوينه، وبانعكاس مفاهيمه وقناعاته المختلفة، وإيمانه المتنوع. جميعها تنبض بالحياة وتعيشها على طريقتها، إن بالمواجهة أو الهروب أو الحلم، وكل منها مقتنع بفكره وحلمه وأسلوبه الخاص.
من النماذج التي تعتمد علم الغيب، إلى العلمانييين، ومن المثقفين الحائرين بثقافتهم، إلى الهامشيين، ومن المقتدرين، إلى الفئات الشعبية، ومن موقع جميع الأدوار التي يمر بها الفرد في حياته الشخصية، يتنقل قلم الكاتب بتعاطفه وبحسه الإنساني الصادق وبمعرفته العميقة بالحياة وبطبائع البشر، ليخّط بدقة ما حصدت عيناه الرقيبة، وما أنتجت نظرته الحادة، ورؤيته الواقعية الناقدة وغير الحيادية، والتي تفضح الرياء بجميع أنواعه، وتدين الحماقة والخداع والتلاعب بالبشر.
السخرية لا تتأتى من الأسلوب، بقدر ما هي سخرية مشهدية الواقع المسّير باللامنطق، وهي سخرية القيم والقناعات السائدة في المجتمع بجميع مؤسساته، المبنية على تناقضات المضمون وعدم تماسكه، وعلى التطبيق الشّكلي الهش وغير المجدي للأفكار التي لا تنبع من حاجة، والتي لا تفك عقدة ولا تفضي إلى حل، وحيث يتساوى الجهل مع الاستعمال الآلي لهيكل المعرفة ومظاهرها دون الحصول على جوهرها ومنهجها، وحيث يتساوى تطبيق القانون مع الممارسات اللاعقلانية واللامعقولة.
من الإفراط في الواقعية، إلى الخيال، ومن الرمز، إلى التحليل والفلسفة والحكمة، ومن التفاصيل الذكية إلى شمولية الوعي، جبلت هذه الرواية التي تبعث المتعة في القراءة بأسلوبها الشيق الخالي من التكلّف، وبمضمونها العميق.