يوميات موسكو الحمراء
تأليف
نزار دندش
(تأليف)
هذه الرواية بمثابة حفاوة وتكريم واعتراف بالجميل لمدينة موسكو عهد الاتحاد السوفياتي الذي استقبل برحابة صدر واسعة عدداً كبيراً من الشباب وقدم لهم العلم والاختصاص العلمي بلا مقابل، وفتح لهم أبواب الحياة وتنفيذ الرغبات على مصراعيها. تستحق موسكو هذا الوفاء الذي اصبح نادراً، خاصة بعد أن تنّكر لها اليوم ...العديد من خريجي جامعاتها، وهم أنفسهم الذين غرفوا من "خيراتها"، واستفادوا من أمجادها، وهي التي بدّلت حياتهم وأعطتها معنى أجمل ومستقبلا أفضل. لذا لا يتوانى الكاتب عن مخاطبتها اليوم قائلا: "لا تغفري لمن جحد عطاءاتك أو خان مودتك، وتخّلى عنك في وقت المحنة، ولا تسمحي لأولئك الطفيليين أن يعتاشوا مجددا على حساب مواطنيك الطيبين. وإذا التف حولك المدّاحون من جديد، فلا تسمحي للتاريخ أن يعيد نفسه".
"هذا الكتاب ليس يوميات شخص بمفرده، ولا سيرة ذاتية لأحد، فمن أبطال قصته من هم أبطال حقيقيون رأيت أن أقتبس من سيرهم نتفاً قصيرة، ومنهم من هم من نسج الخيال لكن تصرفاتهم تشّكل نماذج لتصرفات الآخرين". فـ"هشام" الذي كبر في ضيعته الجنوبية، و"كان فقره يكبر معه"، تفوق في دراسته وأثار اهتمام الجميع، بما فيهم السفير السوفياتي الذي عرض عليه منحة دراسية في إحدى جامعات موسكو. تدّبر هشام بالكاد أمور سفره. ترك حبيبته ريما في القرية، وغادر إلى موسكو مع زملاء له، وفي نفس وضعه، "كان الفقر يجمعهم وحب الاتحاد السوفياتي يظهر وحدتهم".
في موسكو،"العرب هم الأشد حماسا للتعرّف إلى النساء"، بالرغم من أن كل منهم له طريقته واهتماماته، "فنزار القادم من الهرمل يحب كتابة الرسائل، و"سليم "يمارس الحب كل ليلة، كما في كل ليلة!" في مقره الدائم"، أي منزل حبيبته المسرعة في حبها"، و"سعيد" الذي اعتبر أن حصوله على قبلة من صديقته بمثابة إنجاز كبير، و"سالم" غير الآبه بغزوات أصدقائه لأنه كان عريساً جديداً "فقد تزوج قبل سفره بشهرين"، و"كان ما زال مولعا بزوجته المنتظرة في لبنان".
"أما هشام المعتصم بحب ريما"، فلم يمنع نفسه "من الاحتكاك بالروسيات مبرراً لنفسه عشقه الجسدي الجديد"، وكانت تجاربه متعددة مع الشقراوات: ماشا ومارينا وتانيا ولوبا وأولغا وغيرهن، وكان له قصة حبه لـ"سهام" التي كانت "ناجحة في الخطابة وعرض النشاطات وفي تسويق الاقتراحات" والتي انتهت عقب التخرج، كما انتهت قصته مع ريما قبل سنوات. وطارق ووديع وغيرهم الكثير من الشخصيات اللبنانية والروسية..
يتضمن الكتاب كل تفاصيل تجربة هؤلاء الشبان الذين انتقلوا من ضيعهم إلى ديار مدينة موسكو، في سياق غير سياقهم، وفي أوضاع معيشية مختلفة، فمن بداية "تعلم اللغة الروسية الأمر الذي لا بد منه"، يفصّل الكاتب "كم احتاج الواحد منهم إلى تكوير شفتيه وتبديل تضاريس وجهه أثناء تعاركه مع عملية لفظ الحروف"، ومن تفاصيل الاحتفالات بالأعياد العديدة الوطنية منها و"الثورية"، المليئة بالتسلية والضحك والنقاشات والمشاحنات، إلى مسرح قصر المؤتمرات في الكرملين وحفلات الباليه، وإلى موسكو الغنية "بعمرانها الضخم والفخم والتي فيها من معالم التاريخ ما لا يمكن الاطلاع عليه في فترة محدودة".
رواية مليئة بالصدق والحب والحنين والامتنان لمدينة "شكّلت شوارعها خرائط الآمال" و"فجرّت مكتباتها ينابيع المعارف"، و"لكثرة ما حضنت من شعوب"، تحق فيها التسمية: "مدينة المحبة وحاضنة الأمم..".