أزمة الحضارة العربية المترددة
تأليف
أبو يعرب المرزوقي
(تأليف)
في هذا الكتاب يسعى المؤلف والباحث الدكتور المتخصص في الفلسفة العربية واليونانية والألمانية، للإحاطة بجوانب الأزمة التي تعاني منها حضارتنا العربية في الوقت الراهن، وللغوص في عمق جذورها. إذ "لا تزال الأزمة التي تعاني منها الأمة أزمة حرجة ليس للعرب والمسلمين فحسب، بل هي أزمة تعم آثارها الإنسانية كلها"، ..."وحتى لو سلمنا بأن الآثار السطحية لهذه الأزمة يؤججها التدخل الأجنبي عامة والتدخل الأمريكي والإسرائيلي على وجه الخصوص، فإن جوهر الإشكال يبقى صادراً عن علل ذاتية للحضارة العربية الإسلامية نفسها".
تستهدف المحاولة التي يتضمنها هذا الكتاب، إلى "فهم الراهن بتحليل علله البعيدة، وستعتمد "على التشخيص النظري والعملي الذي قدمّه أربعة مفكرين كباراً عالجوا مسألة الحيوية الحضارية العربية الإسلامية من منظور فلسفة التاريخ وفلسفة الدين الإسلاميتين.."، وهم الغزالي وابن رشد الذين يمثلان حديّ الموقف النظري، وابن تيمية وابن خلدون وهما يمثلان حدي الموقف العملي.
أما الهدف من هذه المحاولة فهو "فهم النتائج الخطيرة لما آل إليه موقف الأمة الحضاري، موقفها الذي أصبح منحصراً في رد الفعل على المؤثرات الخارجية التي حددت خصائص الفكر والعمل عند من يقبل بها ومن يرفضها كليهما دون أن يكتشف الفريقان المبدأ الكوني للإبداع الذي تشترك فيه كل الحضارات الأصيلة".
ينقسم البحث إلى بابين. ويتناول الباب الأول كمسألة أولى، بتحليل الموروث الثقافي والتقدم الاجتماعي، من زاوية التحليل التصوري لكل من المفهومين ولطبيعة العلاقة بينهما، وأيضاً لطبيعة العلاقة في دار الإسلام. ثم يعود إلى تناولها من زاوية التحليل التاريخي كمسألة ثانية، وفيها تشخيص لأزمة الثقافة الإسلامية، بحسب كل من الغزالي وابن تيميه وابن خلدون، وصولاً إلى ما آلت إليه في العصر الحديث من بداية النهضة والصحوة، إلى وحدة التجديد الجارية حالياً.
في الباب الثاني، ينتقل البحث إلى مسألتين، في تساؤل أول حول "كيف عُطل الإصلاح المستمر إلى حدود ضمور القدرة الإسلامية على الإبداع؟، إذ "ليس من اليسير أن نفهم الطابع الثوري للإسلام من حيث هو إصلاح متواصل، كما أن تطبيق هذا الإصلاح المتواصل ليس من الأمور التي تقبل التحقيق السهل".
ثم يطرح في تساؤل ثان حول "لماذا لا يمكن للإسلام أن يطابق خصائصه الثورية إلا إذا كان إصلاحاً دائماً؟ لقد "حاول الإسلام أن يجدّد الفكرين الديني والفلسفي وأن يحدد مؤسسات بديلة تساعد على تحريرهما من فساد السلطات الروحية والسياسية" بفضل مفهومين نقديين هما التحريف الذي أفسد الفكر والعمل الدينيين، والجاهلية التي أفسدت الفكر والعمل الطبيعيين".
يتضمن هذا الكتاب دراسة جدية قيّمة وهامة تتناول قضايانا المعاصرة في الوطن العربي والإسلامي من منظارين متكاملين: الفلسفة والدين.شرع العرب والمسلمون في عملية النهوض الحضاري منذ ما ينيف على القرنين. لكن تخلفهم الاقتصادي والاجتماعي لا يزال من المسائل التي لا يختلف فيها اثنان. ولا تزال الأزمة التي تعامي منها الأمة أزمة حرجة ليس للعرب والمسلمين فحسب، بل هي أزمة تعم آثارها الإنسانية كلها بما سنرى من العلل. وحتى لو سلمنا بأن الآثار السطحية لهذه الأزمة يؤججها التدخل الأجنبي عامة والتدخل الأمريكي والإسرائيلي على وجه الخصوص، فإن جوهر الإشكال يبقى صادراً عن علل ذاتية للحضارة العربية الإسلامية نفسها. وأهم هذه العلل دور الموروث الثقافي الذي يبدو فقدانه للحيوية الذاتية متصاعداً يوماً بعد يوم، ذلك أن تصاعده يعدد مفعلات التطور الاجتماعي وحيوية الإبداع الحضاري فضلاً عن عجزه البين عن غياب القدرة على إبداع القفزة النظرية الكافية لتحليل علل عطالته رغم كثرة المشروعات والاستراتيجيات المزعومة.
ولما كانت هذه المحاولة تستهدف فهم الراهن بتحليل علله البعيدة، فإننا سنعتمد فيها على التشخيص النظري والعملي الذي قدمه أربعة مفكرين كبار عالجوا مسألة الحيويةالحضارية العربية الإسلامية من منظور فلسفة التاريخ وفلسفة الدين الإسلاميتين علاجاً بدأت نسقيته تتضح رغم بقائها في المراحل الأولى من النشأة الجديدة لمثل هذه الدراسات في الحضارات القديمة والوسيطة.