أسئلة التنوير والعقلانية في الفكر العربي المعاصر
تأليف
يوسف بن عدي
(تأليف)
من المعلوم أن أكثر ما يميز المفكرين العرب من أصحاب الطروحات والمجتهدين في العلوم الإنسانية وفي مجالات التفكير الاجتماعي هو أنهم يقيمون على حالٍ شبه دائمة من المناظرة والمساجلة فيما بينهم. وهو أمر ليس مستغرباً، إذ إن هذه العلوم قامت على تعدد النظريات والطروحات وعلى اختلاف التوجهات والمقولات.
هذا ما ...حاول كتاب "أسئلة التنوير والعقلانية في الفكر العربي المعاصر" أن يقوله من خلال رصده لبعض التصورات والقراءات التأويلية للتراث العربي بجميع قطاعاته: النهضوي الإصلاحي والفلسفي العقلاني والكلامي البلاغي والمنطقي.
إن ما يرمي إليه هذا الكتاب الذي يجمع بين دفتيه آراء مختلفة لمجموعة من المفكرين العرب المعاصرين، هو التأسيس لوعي نقدي، فالنقد هو مكون من مكونات النظر الفلسفي الغربي، مستشهداً بمدرسة فرانكفورت مع كلٍّ من إدورنو وهوركهايمر وماركوز وهابرماس... وقبل ذلك مع ديكارت وكانط تتمحور أطروحات الكتاب حول إشكالية الحداثة في الفكر العربي المعاصر، ومن خلال تتبعنا لمنجزات الفكر الحداثي كما عبر عنها مضمون الكتاب، نستنتج بشيء من الموضوعية والحياد، أن المنطق وفكر الحداثة صنوان متحابان.. وأن الحداثة هي الأخت الرضيعة للمنطق بلغة ابن رشد. ولا تنازع بينهما إلا في دائرة الأيديولوجيات.
يبحث الفصل الأول من الكتاب: من أجل التنوير العربي. عرضاً لرؤى ومناهج كتاب عرب مثل محمد الحداد، وهو الذي عرف بمجهودات متميزة في تقريب الخطاب الإصلاحي العربي عامة والإصلاح الديني من الأمور التي ترسم معالم التنوير العربي وعقلانيته، أما عبد الله العروي في نص "السنة والإصلاح" كان يسن لتأسيس فيومينولوجيا الروح "في الفكر العربي" من أجل رسم معالم التنوير والعقلانية في الوطن العربي.
وأما الفصل الثاني: من نقد التراث إلى العقلانية النقدية. يبحث في مسائل تأويل التراث العربي الإسلامي كما عبّر عنها محمد مفتاح والجابري وعلي إمليل ومحمد عزيز الحبابي وجمال الدين العلوي وعبد الإله بلقزيز وكان لكل واحداً منهم رؤية منهجية مختلفة، لكن ما يجمعهم هو الرهان على نقد التراث وفحصه، سواء كان في حقل الإصلاحية العربية أم الشخصانية الإسلامية أم الرشدية العقلانية.
أما الفصل الثالث في الكتاب والذي جاء تحت عنوان: في منطق الفكر الحداثي. يقوم على ترسيخ منطق الحداثة؛ والتساؤل هل هناك طلاق بين المنطق وفكر الحداثة في الساحة العربية وهل أضحى من المسلمات التركيز على الطابع المنهجي في مجالات الفكر العربي المعاصر. هذا ما بحث فيه كل من محمد المرسلي وحمو النقاري، ووصولهم إلى نتيجة بأن الحداثة هي فلسفة سياسية وسوسيولوجية وفلسفة المناهج والتداوليات... إلخ فهي مفهوم كوني وشامل في رأيهم. أما ما يميز الجابري هو بناءه لخطاب عربي إصلاحي في إطارين: الأول خطاب قيمي قائم على نقد النظم الأخلاقية المتوارثة في النظام العربي، والثاني، هو خطاب "ملي" ويعني مراجعة النظر في قراءة السيرة النبوية في ضوء ترتيب القرآن الكريم.
وأما الفصل الرابع والأخير: في نقد الحداثة العربية. يتضمن مراجعات نقدية لخطاب العقلانية العربية أو التنوير العربي، عبّر عنها الكاتب اللبناني علي حرب الذي كشف مأزق الإصلاح العربي: سياسياً واقتصادياً وفلسفياً في إطار منهجي وفلسفي يميز هذا الكاتب عن غيره الذي اعتبر العين الفاحصة والثاقبة في تفنيد النصوص العربية والغربية على حدٍّ سواء.
كتاب ممتع يأخذ القارئ إلى مسالك الدرب الصحيح ليعمل عقله فاحصاً ومنتقداً واقعه، ويطلعه على المسؤولية الكبيرة التي يحملها رواد الفكر العربي المعاصرين، من خلال إصرارهم على المراجعة والنقد التي بها سوف يرسم عالمنا العربي معالم التنوير والعقلانية مثلما حصل ذلك في الغرب.