لسان حضارة القرآن
تأليف
محمد الأوراغي
(تأليف)
في كتابه هذا يسعى الباحث "محمد الأوراغي" إلى أن يتخذ من اللغة العربية وثقافتها الإسلامية قاعدة للعمل للإسهام في بناء حضارة إنسانية تكون بديلاً للحضارة المادية السائدة حالياً، من خلال تركيزه على العربية وعلومها اللسانية بصفتها لغة حضارة القرآن، أي أنه يسعى إلى تحديد موقع العربية في مجتمع اللغات، ...ومكانة ديوانها الثقافي، ودوره في المحافظة على وتيرة التنمية البشرية والارتقاء بها إلى مستوى الإنسانية.
وهنا يطرح عدة تساؤلات: كيف يمكن أن نجعل من المعرفة اللغوية للعربية أداة منهجية لدراسة الخطاب الشرعي دراسة علمية دقيقة.
كيف تمكنت العربية بثقافتها الإسلامية أن تتعايش على مر العصور مع لغات الأمصار في البلدان الإسلامية على كثرة لغاتها المحلية واختلاف ثقافتها الأصلية.
يجيب الباحث عن هذه الأسئلة من خلال إجراء حوار علمي يُدخل فيه اللغة العربية وثقافتها في علاقة التدافع مع الحضارات الأخرى؛ فينتج عن ذلك فكراً متطوراً ومعرفة جديدة. أما كيف نرد على المواقف السلبية من لسان حضارة القرآن والثقافة التي تميزه فيكون برأيه من خلال تقديم نموذج بديل؟
وهذا الطرح الفكري الهام نقرأه في ستة فصول تضمنتها هذه المقاربة النقدية الهامة. الفصل الأول جاء بعنوان: إسهام ثقافة العربية في بناء حضارة إنسانية. وهنا ينظر الباحث إلى مؤهلات اللغة العربية وثقافتها الإسلامية ودورها في بناء حضارة إنسانية ذات بعد إنساني لأنها برأيه الأكثر استعداداً والأوفر لإقامة بديل للحضارة المادية، وهنا يركز على ميدان اللغة بحكم الاختصاص فيقابل بين نظرية لسانية نسبية تكونت في إطار حضارة قرآنية، ونظرية لسانية كلية وليدة الحضارة الغربية المادية.
أما الفصل الثاني فجاء بعنوان: اللغة العربية أساس التنمية في وطنها.
وفي هذا الفصل يسلط الباحث الأضواء على دور اللغة العربية في التنمية البشرية فيقول: "فإن للغة الدور الحاسم في تطوير قدرات الناس على التمرس بالعمل، وعلى الرفع المستمر من كفاءاتهم" وفي جانب آخر يقول: "هي المقياس المعتمد لرسم "أوطان لغوية"؛ كوطن العربية، ووطن الفرانكفونية، ونحوهما من العوالم اللغوية الأخرى…".
وجاء الفصل الثالث بعنوان: تدبير اللغة، وهنا يقول: "من حق اللغة العربية التي تحمل حضارة القرآن وتنفرد بحمل كلام الله (عز وجل) وحديث رسول الله أن يتولاها بالحفظ والصيانة كل من الناطق والسائس والدارس…".
أما الفصل الرابع فيأتي بعنوان: اللغة العربية من المقومات الحضارية؛ وهنا يعطي الباحث الأحقية لكل أمة في توحيد نظرتها للكون ولكن بشرطين: "أولهما وحدة المنطق وإحكام منهج العمل، وثانيهما وحدة قناة الاتصال بمصدر الاجتهاد وتجارب المجتهدين. ولا اتصال وتواصل بغير لغةٍ، ولا يكون للشعوب الإسلامية قناة واحدة إلى مصادر ثقافتهم الإسلامية الموحدة وهم أهل لغاتٍ كثيرةٍ ليس بينها العربية لغة القرآن الكريم والحديث الشريف وصالح فكر السلف والخلف".
وجاء الفصل الخامس بعنوان: حرف قرآني ولغات أمازيغية، وفي هذا الفصل يجيب الباحث عن سؤالين هامين وهما: ما الداعي إلى كتابة اللغات الشفوية؟ وبأي نسق خطي يحسن كتابة اللغات القبلية في البلاد الإسلامية، كالأمازيغيات الثمانية المنتشرة في بلدان المغرب العربي؟ وكيف يمكن إيجاد أساس صوتي واحد لعشرات من اللغات المتباعدة نمطياً وجغرافياً؟
أما الفصل السادس والأخير فجاء بعنوان: توظيف المعرفة اللغوية لفهم السنة النبوية وهنا يحصر الباحث عمله في تحويل المعرفة اللغوية إلى آلة منهجية يقول: "ويهمنا حالياً، بحكم اشتغالنا بعلوم اللسان، أن ننسق المعرفة اللغوية بما يجعل منها أحد مكونات الآلة المنهجية المكتملة البنية بعلوم القرآن الكريم وعلوم الحديث الشريف… إن عملنا في هذه الدراسة محصور في بناء منهجية لسانية تعصم الباحث في القرآن الكريم والحديث الشريف من أن يضل في اجتهاده، كما تبين أن مادة هذه المنهجية هي المعرفة اللغوية التي كونها اللسانيون من خلال وصفهم للعربية لسان حضارة القرآن".
وأخيراً خاتمة يدعو فيها الكاتب علمائنا المتقدمين إلى جهود إضافية في دراسة الخطاب الشرعي وأنه آن الأوان لأن تنهض مؤسساتنا الأكاديمية بالجانب المنهجي في ممارساتنا العلمية، حتى تُؤسِّس لحقبة مستقبلية لا تكون فيها المفاضلة بين المعارف المنتجة، وإنما تكون بين مناهج إنتاج المعرفة…