التاريخ والوجود في المتبقي والمندثر
تأليف
مصطفى الكيلاني
(تأليف)
من التاريخ إلى الوجود، ومن الوجود إلى التاريخ: تواصُل ما بين اللحظة والزمن. إذ إن الذي حدث في الواقع هو بعض ممّا يحدث وما قد يحدث.
إن الهدف الذي يرومه مؤلف هذا الكتاب من بحثه هذا هو بيان الصلة الوثيقة بين وجود للتاريخ وتاريخ للوجود. وإن قلبنا القراءة في هذا ...الاتجاه تبين لنا الاتجاه الآخر.
من هذا المنطلق، تأتي متون هذا الكتاب لتقدم قراءة تاريخية بمختلف المقاربات قديمها وجديدها لتؤكد لنا أن المفاهيم الوجودية تتغاير "بين مفهوم التاريخ الذي اقترن بالتجربة الفردية ودلالة الاعتبار (ابن خلدون نموذجاً) حينما تراكمت خبرة توصيف الأحداث وبدء التفكير في القوانين والآليات المُتحكمة بالمجتمعات العربية الإسلامية في العصر الوسيط. بتوصيف الأحداث وكتابة التجربة وبدء التفكير في الانتظار، وإن بأسلوب بدائي، ثم تَحَوَّل من مفهوم الاعتبار إلى فكرة التقدم التي أثمرتها ثقافة الثورة في القرن الثامن عشر للميلاد وما تَلَى الثورة من مفاهيم جديدة أنشأت فلسفة التاريخ النقدية وما يتفرع عنها في اللاحق، "كالتاريخانية" و"التحليلية"، وصولاً إلى أحدث المفاهيم الهرمونيتيقيّة والسيمانتيقيّة في إنتاج المعرفة التاريخية".
تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه يسهم في ثقافة التأويل المعاصر التي هي ثقافة الراهن والمصير، التأويل الذي يستفيد من تراثنا العربي الغني ومن ثقافات عصرنا الحالي، في محاولة لإنشاء فكر نقدي لا يكتفي بمعرفة النقد، بل يُغامر في خوض تجربة العقل الذي لا يكتفي بحدود عقلانيته، وإنما يتجاوز ذاته باستمرار من خلال التجربة والتفكير في الظاهر والمحتجب، بما كان ويكون، وبالمستقبل الذي يمثل بعضاً من وجودنا الراهن برأي الكاتب.
يُضمِّن الكاتب بحثه هذا مشغل بحثي عام يشمل ملفوظات أدبية وفكرية عربية مختلفة ذات أهمية "واستلزم ما يتجاوز العقدين من الزمن، هو المشغل التأويلي herméneutique الذي يهتم بالمعنى في ارتباطه باللاّ - معنى، بدافع الحرص على تحديث المعنى وتنويره وتطويره...".
كتاب هام، يكشف عن المشترك بين التاريخ والوجود والذي هو في صميم معرفة ما بين المندثر والمتبقي، ندرك حين قراءته حقيقة مفادها أن بعض المندثر متبقي، وبعض المتبقي مندثر، إذ إن التاريخ تأريخ لما حدث أو وجود راهني ومستقبلي في الآن ذاته. أما الوجود فمتبقي مرجعيّ حدّاه عدم، اندثار محض، إن غابت ذات المؤرخ وشهادة التاريخ.