تحليل الخطاب الصوفي في ضوء المناهج النقدية المعاصرة
تأليف
آمنة بلعلى
(تأليف)
تقدم الباحثة "آمنة بلعلى" من الجزائر دراسة تحليلية - نقدية هامة في تحليل الخطاب الصوفي في ضوء المناهج النقدية المعاصرة، نظراً لأهمية هذا الخطاب الذي بات يحتل موقعاً هاماً داخل المنظومة المعرفية بشكل قوي وفاعل، وهذا يعود إلى ثراءه وقدرته على تخطي الحدود المكانية والفواصل الزمانية، والتموقع في الفضاءات ...الثقافية المناسبة، والتعبير عن الحالات الفكرية والوجدانية والجمالية والفلسفية.
أرادت الباحثة من خلال هذه الدراسة البحث عن معالم نظرية حديثة، وخاصة ما له علاقة بالسيميائيات والتفكيك والتأويلية.
أما الجديد الذي تقدمه هذه الدراسة هو أنها تجاوزت الطرح التقليدي في تحليل الشعر الصوفي إلى رصد التفاعلات النصية في الخطاب الصوفي وتحليلها. تقول بلعلى: "كان - إذن - همُّ الخطاب الصوفي والمنهج معاً داعياً لمحاولة الإلمام بأهم الظواهر النصية فيه، فكان لا بد أن أتتبع التجربة التي أنتجت هذه الظواهر، ولكي تكون النماذج ممثلة، فضلت أن أرصد هذه الظواهر من أكثر الوجوه تمثيلاً كأبي يزيد البسطامي والحلاج في القرن الثالث، والنفري والتوحيدي في القرن الرابع، ولما كان القرن الخامس فارغاً إلا من الأخبار والكرامات، والتي مثلت لها لعبد القادر الجيلاني، وقفت عند ابن عربي ومن عاصره كابن الفارض، بعدما تأكد لي أن التجربة والكتابة الصوفية بلغت ذروتها عند هذا الصوفي المتميز (ابن عربي)، (...) وتبين لي.. أن سعة الموضوع وشموليته عدة قرون (...) ستسمح لي بدراسة كشفية لمظاهر الخطاب وأشكاله، واعتبرت المنحى الكشفي هذا أحد أقطاب البحث المهمة بالنسبة إلي".
تنطلق الباحثة في دراستها هذه من افتراضات أهمها عدم التسليم بلا نصية الخطاب ولا أدبيته، بل اكتشاف كيف يشتغل المعنى في الخطاب الصوفي وكيف تعالج مظاهره التواصلية؟
لقد اعتمدت "بلعلى" على طريقة أشبه ما تكون بالدراسة النسقية التي تنظر إلى الخطاب الأدبي على أنه نسق من الاتصال السيميولوجي، والخطاب الصوفي نسق من الاتصال الأدبي، وتحقيق لإمكانات أنساق اللغة العربية.
وهذه الدراسة تتجاوز في أهم جوانبها وصف البنيات المحايثة للدلالة، ووصف العلاقات بين المكونات مع أخرى خارجية كالتلقي الفعلي ونصوص الثقافة المركزية وهنا يبدو العنوان: تحليل الخطاب الصوفي في ضوء المناهج النقدية المعاصرة مفسراً لكل ما تثيره الإشكالية من أسئلة.
تأتي هذه الدراسة في أربعة فصول متتالية:
جاء الفصل الأول بعنوان: "وضع التلقي في خطاب فعل الحب"، وفيه محاولة لرصد طبيعة الخطاب الصوفي في بداياته من خلال الشعر، ومن جهة أخرى، رصد تداوله بين المتلقين، وردود أفعالهم بإزائه وكيف كان التواصل مع هذا النوع من الخطاب، ووقفت الباحثة عند ضغوط التلقي التي عبرت عن التفاعل السلبي بينهم وبين المتصوفة الذي انتهى بمصرع الحلاج (...) واستعانت بأهم مفاهيم نظرية التلقي في صيغتها المتميزة عند H. R. Jaus وW. Iser كمفهوم التفاعل، وأفق الانتظار والمسافة الجمالية.
ومن منطلق التواصل ذاته الذي هو جوهر نظرية التلقي تعرضت الباحثة في الفصل الثاني من "البديل الخطابي للتواصل" إلى المظهر التداولي لخطاب المعرفة في الحديث الصوفي. وكيف عمد كل من النفري والتوحيدي في القرن الرابع في وقت بلغت أزمة التواصل ذروتها بعد مقتل الحلاج سنة 309هـ إلى تجسيد التفاعل والتواصل من خلال أفعال الكلام واستراتيجية التحاور التي تلخص العلاقة "عبد/رب"، وتحقق التفاعل بين الخطاب الصوفي والمتلقي.
واحتكمت الباحثة في الفصل الثالث الذي عنونته بـ "تمفصلات فعل الحكي" إلى السيميائيات السردية التي ساعدتها في الكشف عن موجهات تشكل الحكي وكيفية اتساع دائرة الاتصال بين المتصوفة والآخرين من خلال تلك الموجهات كالشطح والرؤيا، والتي أسهمت في شيوع جو الحكي وتنوّع مظاهر النوع القصصي (...) وأرادت بكلمة (تمفصلات) دلالتها العامة على النشاط السيميائي للمتلفّظ بمراعاة نتيجة ذلك النشاط، وفي الوقت نفسه اعتمدت مفهوم (هيمسليف) للتمفصل، باعتباره تحليلاً للنظام.
أما اكتشافها للفعل التواصلي من خلال نصوص الكرامة الصوفية، مكنها من الإجابة عن جانب مهم من إشكالية البحث، وهو أن التغييب الرسمي للخطاب الصوفي وازته ممارسة تأثير في جماهير عريضة، وأدت إلى نشأة الطرق الصوفية التي ما زالت حتى عصرنا هذا.
وكان الفصل الرابع والأخير الذي عنوانه "العلائقية النصية" بمثابة الإجابة عن الجزء الأخير من الإشكالية، وهي علاقة الخطاب الصوفي بالدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية في محاولة لتتبع التفاعل الذي أقامه المتصوفة مع النص القرآني استنباطاً وتأويلاً، وبالحديث القدسي. إضافة إلى ما وجدته في بنيوية الباحث الفرنسي "جيرار جونيت" ما ساعدها في كشف وتعليل هذه الظاهرة دون إسقاط إيديولوجي ولا تأويل ذاتي.
وأخيراً، خاتمة البحث تضمنت أهم نتائج الدراسة مع عرض بعض التساؤلات التي لم تجيب عنها الباحثة، وكذلك اقتراحات رأت فيها الباحثة بدايات طيبة لموضوعات مهمة لمن أراد البحث في الخطاب الصوفي.
دراسة هامة، أسهمت من خلالها "بلعلى" في إعادة قراءة الأدب الصوفي، من أجل تشكيل معرفة ووعي جديد بتراثنا العربي، ومن ثمة، بذواتنا، وخاصة أمام ما كتب عنه من دراسات تتكاثر دون أن تضيف شيئاً إلى فهمه والاقتراب من طبيعته ورصد أشكاله وتصنيف أنواعه وأنماطه، وإدراك علاقته بباقي نصوص الثقافة الإسلامية.