ما بعد الفلسفة: مطارحات رورتية
تأليف
محمد جديدي
(تأليف)
صدر للكاتب الجزائري المعروف د."محمد جديدي" كتاب بعنوان "ما بعد الفلسفة: مطارحات رورتية" يشتمل على طائفة من مطارحات "ريتشارد رورتي" الفلسفية جاءت في عشرة مقالات خصصت لدراسة ومناقشة جملة من القضايا الفكرية التي تناولتها فلسفة رورتي التي تتوزع بين مساءلات نقدية منهجية ولغوية ضمن طروحاته وأخرى تخص مسائل عملية ...وفقاً لرؤية رورتية البراغماتية التي تذهب إلى التجريد والتأمل مبتعدة عن البعد النظري، ولكن، قبل الغوص في متون الكتاب لا بد من تعريف القارئ بهذا الفيلسوف المعاصر فمن هو ريتشارد رورتي وما هو الجديد الذي جاء به؟
يُعتبر ريتشارد رورتي ظاهرة متميزة في عالم الفكر الأنغلوساكسوني المعاصر فقد دافع عن الفلسفة من دون الفلسفة وبحث عن الحقيقة في اللاحقيقة، وقد أمكنه بأفكاره المثيرة للجدل أن يبعث البراغماتية من جديد على ساحة الفلسفة العالمية ويصبح المحرك الأول للمذهب البراغماتي الجديد، كما يعرف بأنه صاحب مشروع بعث حوار فلسفي جدي وجسر بين الفلسفتين التحليلية - الأمريكية والقارية - الأوروبية؛ فتغدو البراغماتية معه نوعاً من البعث أو الميلاد الجديد.
وللتعرف أكثر على ميزات الفلسفة الرورتية في كتابنا هذا لا بد من ذكر ثلاث أفكار رئيسية: "إنها فلسفة بلغة اللافلسفة فهي من منطلق النسبية لا تنزع إلا أن تكون عنصراً أو صوتاً داخل مضمار الثقافة الإنسانية، ومن ثم دعوتها إلى محادثة لا تضم فقط المفردات الفلسفية بل تمتزج بمفردات الإنسانيات والأدبيات والفنون والعلوم، حتى تكون محادثة حقيقية تعبر عن الفلسفة بخطاب لافلسفي، في مشهد ثقافة شاعرية، ميتا فلسفية، ميتا دينية، ما بعد حداثية".
إنها بعثت البراغماتية من سباتها وجمودها ومكنتها من نفس جديد (...) تمكن من إحياء البراغماتية وإلباسها ثوباً جديداً ويُحيّنها بناء على التطورات الحاصلة في البيئة الأمريكية أولاً ثم العالمية ثانياً.
ما تميز به رورتي من "خلفية نظرية تعج بأسماء الفلاسفة التي ملأت تاريخ الفكر الفلسفي الغربي من أفلاطون إلى ديوي، بل حتى لبعض معالم الفكر الشرقي أو أنماط الفكر الإنساني الأخرى".
إنها فلسفة منفتحة على مختلف المواقف والآراء والأفكار ليس الفلسفية فحسب بل جميع ما يتعلق بالآداب والفنون، لذا فإنها فلسفة تدعو إلى تجاوز الحدود المعرفية المصطنعة والتي وضعت باسم العلموية أو باسم الموضوعية أو باسم الصرامة المنهجية أو غيرها".
وأخيراً يعتبر د. "محمد جديدي" أن في شخصية رورتي الفلسفية نلمس عناصر تربيته اليسارية والتي تتجلى في انجذابه نحو تروتسكي والعدالة الاجتماعية والتضامن، كما نعثر على ترسبات الفلسفة التحليلية وتمكنه من طرائق التحليليين المنطقية واللغوية، إضافة إلى توجهاته البراغماتية التي دفعته إلى بلورة نظرة تاريخانية عارضية للمجتمع الليبرالي البرجوازي، كذلك جمع في جنبات فلسفته مزايا الحداثة ومآثرها ووضعها جنباً إلى جنب مع إيجابيات ما بعد الحداثة وآفاقها الواعدة؛ لم يتوقف رورتي عند هذا الحد بل راح يبحث عن ما يعزز قوله الفلسفي لدى الواقعيين وفلاسفة الاختلاف (دولوز، فوكو، دريدا) وقبلهم (...) نيتشه؛ علاوة على هذا لا يتوانى رورتي ولا يخشى من اتهامات خصومه إذا عاد إلى الأدباء والروائيين والشعراء مستلهماً منهم الدرس الذي يعوز الفلسفة".
كتاب هام يسهم في تعريف القارئ بالفكر الفلسفي المعاصر عامة وبفكر ريتشارد خاصة. ويحفز على المساهمة في إثراء القضايا الفلسفية المطروحة على الساحة العالمية اليوم والتي لا مفر من ولوجها في عصر عولمي.