تراتيل لآلامها
تأليف
رشيدة الشارني
(تأليف)
بلغة شعرية متألقة تخطُّ "رشيدة الشارني" من تونس رائعتها الجديدة "تراتيل لآلامها" رواية تهديها إلى روح أمها وإلى أمهات الشهداء ومساجين الرأي سنوات الجمر.
ربما يكون أكمل وصف نطلقه على هذا النص عبارة مأساة، إذا ما تصفّحنا سطوره سنكتشف أن الأوجاع أثقل من اللغة، وأن الموجوع يلوذ بمفرداته يقضها قضاً ...حتى تتّسع لأحزانه.
ما بين أعماق الذات، ونسيج المجتمع، وتاريخ الأوطان، وذاكرة الأجيال تدور رحى الرواية، بداية يطالعك مشهد الموت، فللموت قداسة لا يملكها الأحياء ذلك أنهم عادوا إلى ربهم مكتملين بما قدموا من أعمال. هكذا هي حال "خضراء" الأم التي أنجبت ثلاثة ذكور، أصغرهم مسجون وأوسطهم مفقود وأكبرهم مقهور، وعند رحيلها عن الدنيا لم تجد "خضراء" سوى بناتها السبع إلى جوارها. ماتت الأم وهي غارقة في دمها كشاة مذبوحة، انفجرت أحشاؤها حسرة عقب عودتها من رحلة مضنية إلى سجن صفاقس ومنعها من زيارة غيث أصغر أبنائها جميعاً المعتقل منذ أكثر من تسعة أعوام. "انفجار بالكبد" ردّدت الطبيبة وهي تعاين بطنها الذي تضخّم فجأة وصار يعلو وينخفض وكأنه في حركة مدّ وجزر، تتأمل الفتاة أمها من زجاج الغرفة وهم يشدونها إلى الأمصال والأنابيب ويضخّون أكياس الدم إلى شرايينها حتى فارقت الحياة.
"تراتيل لآلامها" هي أكثر من رواية، هي تجربة معاشة تجسِّد الموت، والفقر، والقهر، والغياب، بل غياب العدل والرحمة، في عالم لا يتسع قاموسه إلا للأحزان، تحمل الروائية أنين "خضراء" في صدرها لترسل إلى كل صاحب ضمير حيّ قلقها على الوطن وأبنائه. هي حكاية كل أم فقدت أبناءها في ظل حكومات مستبدة، ولا يبقى لها إلاّ أن تروِّض روحها على صداقة الألم وما عليها إلاّ الانتظار ربما تكون "هذه الأيام المتساقطة، مع دموع الأمهات، ستنبثق ذات يوم من تحت رماد الأنين".
ويجدر الإشارة الى أن هذا الكتاب قد حاز على جائزة مركز الدراسات والتوثيق والاعلام حول المرأة - تونس لعام 2012.