البحث اللساني الحديث في العراق في النصف الثاني من القرن العشرين
تأليف
حيدر محمد جبر
(تأليف)
من المعلوم أن المعرفة اللسانية التي امتدت على مساحة واسعة من النصف الأول من القرن العشرين، قد أثرت في تحريك البنية الثقافية العربية في مجال اللغويات، بعد أن تيسرت لها سبل الاتصال وتعددت أمامها منافذ التحصيل العلمي، مما أدى إلى الاهتمام باللسانيات بوصفها معطى منهجياً بحكم التفكير اللغوي عامة.
وبما ...أن الخطاب اللساني وآلياته المنهجية، بات يمثل سمة البحث المعاصر وخصوصية النظر العلمي الحديث، في حل إشكالية المعرفة، وانعكاساتها على الدرس اللغوي، بل غدا ضرورةً من ضرورات الحياة الثقافية.
وفي العراق كان الإسهام اللساني، يمثل أحد أوجه التحول الحداثي في التفكير المنهجي، ولم يخل هذا التحول من عقباتٍ وصراعات، ربما كانت تمليها صيرورة الانتقال والاعتراف بالبديل عن النظرية اللغوية التقليدية التي رأى أقطابها المعاصرون أن اللسانيات هي إحدى الإشكاليات التي تعوق حركة الثقافة في عالمنا العربي، فهذا المجمع العلمي العراقي قد صرّح بأن هذا الحقل الجديد، قد أفرز سلبياتٍ، منها: النظرة الأحادية التي لا تعترف بآراء الآخرين، والسقوط في التقليد المقيت، والتوقف عن الإبداع.
وفي هذا السياق يحاول مؤلف الكتاب فتح نافذة للحوار مع هذا الوافد الثقافي من خلال إثارة أسئلة كانت مفتاح الدخول إلى هذه الدراسة، وهي:
أين موقع الباحث العراقي على خارطة البحث اللساني العربي؟
وهل ثمة خصوصية لبحث لساني عراقي؟
إن مثل هذا الاستفهام، قاد الكاتب إلى محاولة معرفة علاقة الباحث العراقي بالتحولات المنهجية اللسانية، وأثرها في تحريك بنيته المعرفية الموروثة. خلال الحقبة التأسيسية للتعاطي اللساني العربي، وهي النصف الثاني من القرن العشرين، وهي حقبة لها أهميتها بنظر الكاتب لأنها كانت مسرحاً لكثير من التحولات الفكرية، ولها تأثيرها المباشر في تشكيل منطلقات التجربة اللسانية في العراق.
وفي هذا العمل اتخذ الكاتب منهجاً، قائماً على تبويب المادة المجموعة للدراسة بحسب مضمونها، مع مراعاة الجانب التاريخي في تسلسل الآراء فيها.
وعلى أساس هذه الرؤية المنهجية، وزع الكاتب دراسته على خمسة فصول يسبقها تمهيد وتعقبها خاتمة، فكان التمهيد مدخلاً نظرياً، ضمّ محورين هما: النظرية اللسانية واتجاهاتها العامة، واللسانيات العربية وكتاباتها الرائدة التي كان للّساني العراقي الرائد "عز الدين آل ياسين" إسهامٌ رائعٌ فيها.
وأما الفصل الأول الذي حمل عنوان (الأصوات اللغوية، دراستها وأسس تصنيفها)، فقد اختص بمتابعة الدراسات الصوتية وتقصي ما قدّمه الباحثون في هذا المسار، وما أثاروه من قضايا ومواقف وآراء، يمكن من خلالها إبراز سمات محددة لخطاب الباحث العراقي.
وكان الفصل الثاني مقاربة مورفولوجية في البنية، وفيه يتناول الكاتب، حيثيات مهمة بدءاً من الفونيم ومروراً بالمقطع، وانتهاءً بالمعالجات الصوتية للبنى الصرفية.
واهتم الفصل الثالث بالدعوات إلى المقولات الوصفية واعتمادها منهجاً نحوياً، وتمثلاتها في المتن اللساني لدى العراقيين.
أما الفصل الرابع، فقد راعى خصوصية المنهج التوليدي التحويلي في الدراسات النحوية، واستعرض فيه الكاتب أهم الأبحاث التي كتبها العراقيون في هذا الصدد تنظيراً وتطبيقاً.
وتضمن الفصل الخامس، إشكالية الدلالة والمعنى من حيث التداخل والمفهوم والمجال، ومن ثمّ كانت خاتمةٌ جمع خلالها الكاتب النتائج التي خرجت بها الدراسة.