أول تعارف لى على كتابات الأديب السودانى أمير تاج السر، سمعت عنه آراء إيجابية كثيرة حمستنى للتعرف على أدبه، خصوصا مع قرابته لأحد أحب الأدباء العرب إلى قلبى و هو الطيب صالح، التى منتنى أن يكون حاملا لنفس جينات العبقرية الأدبية من خاله.
فى الواقع هو أخذ منه جمال الأسلوب الذى جعلنى أقرأ مائتى صفحة مستمتعا دون أحداث حقيقية، فموضوع الرواية هنا عن حب متخيل فى ذهن صاحبه بطل الرواية معلم الكيمياء الوقور الذى جاوز الاربعين، فأربك حياته الروتينية و قلبها رأسا على عقب، فلم يعد الرجل معلما و لا وقورا، و حوله الحب المتخيل إلى هائم يبحث فى أحياء المدينة عن أنسب حي لسكنى فاتنته، ثم البحث عن طريقة للمرابطة فى هذا الحى –التى هى لاريب ساكنته!- على أمل لقائها أو لحظ طيفها، فى تجربة مثيرة للشفقة على بطلنا الذى يحاول إكتشاف معنى لحياته البائسة التى قبل فوات الأوان، بعدما كفر برسالة التعليم التى عاش يعدها مهمته المقدسة.
نتعرف على قصة ال 366 يوما التى قضاها بطلنا فريسة للهوى و الأماني و الظنون و المخاوف و الرجاء و اليأس، من خلال خطاباته التى كتبها لحبيبة خياله، يحكى لها و لنا فيها وقائع هذا العام الغريب و الشاذ عن سيرة حياته التى كانت مستقرة حتى الركود، فإنقلبت صاخبة حتى الجنون بفضلها، يوقعها بلقب المرحوم الذى يونبئنا بمصيره المحتوم منذ البداية، إلا أننا لا نملك إلا التعاطف معه فى سعيه المستحيل، و نخوض معه رحلته الغريبة بما فيها من أهل غائبين و جيران متطفلين و أصدقاء خائنين و دون جوانات تائبين و إرهابيين خائبين و وزراء سابقين و سائقى تاكسى محسودين!
إندمجت فى رحلة هذا البطل المتعب و المعذب فى هواه و فى البحث عن معنى لحياته، و إستمتعت بتفاصيلها رغم قلة ما فيها من أحداث إلا فى جزئها الأخير، إلا أن نهايتها أحبطتنى جدا، فرغم توقعى لنهايته إلا أننى لم أحب أن تأتى بهذا الشكل و تخيلتها بطرق أخرى كثيرة كنت أراها أفضل من هذه الخاتمة، و هى السبب الرئيسى بعد بطء الإيقاع فى تقليل تقييمى للرواية –وإن كنت أقرب إلى تقييمها بثلاث نجمات و نصف لكننى لم أقدر على تقييمها بأربعة- إلا أن هذا لا ينفى إعجابى بالكاتب و أسلوبه و أفكاره، ما يشجعنى على التعرف على باقى أعماله فى أقرب فرصة بإذن الله.