كراكاتو
تأليف
مهرة بنت أحمد
(تأليف)
فيما تتآمر الحياة علينا لتعطينا كلّ شيء، وتتركنا أمام أحجيةٍ اسمها السعادة. تلك القيمة المتلوّنة القابعة بين الغاية والوسيلة.. ذات الدرب السهل الممتنع الذي مضى فيه بطل الرواية (لوكاس) بكل ما أوتي من جوارح لعله يصل إلى إجابةٍ، بينما يتصاعدان الصراع والأسئلة، ويتجه لوكاس للذاكرة، مكان بحثنا المعتاد عن الإجابات، ...عن ما نظنّ أنه آخر حالة شبه معرفية مررنا بها، نبحث فيها حدّ الغرق، لنجدها توصلنا إلى عالمٍ لا تنتهي أبعاده ولا يُعرف فيه اتجاه.
كتبت مهرة بنت أحمد (كَراكاتُو) لتحاكي قصة الإنسان بتفاصيله اليومية، ورسمت بحروفها متاهات النفس البشرية العميقة لتجد نفسك - إذا ما جرّدتها من الأحكام والتقاليد - تقف أمام إنسانٍ يشبهك! إنسانٍ قد يكون أنت..
كتبت الكاتبة أحمال الحياة وأحلامها، آلامها وآمالها، لتصل إلى حقيقة الروح التي تسكن بساطة الأشياء، وأن التفاصيل حين تلقينا في التيه بين الاحتمالات علينا تفقّد البوصلة: "لن أصلي لأجل الحقيقة، سأصلي للباحثين عنها، فالحقيقة ليست بحاجة إلى من يصلي، بل بحاجة إلى من يصل".
نصف الحياة أنثى، وربما كل الحياة أنثى! حقيقةٌ تظهر بين السطور، رفقة الدرب، الحب والتضحية، الوفاء والخيانة! لابد أن تكون تلك (صوفيا) حواء الرواية التي تجسّد جزءاً من الأحجية والحل، لم يكن لوكاس يُدرك أنّه رجلٌ صِمغيٌّ، وأن صوفيا امرأة من فراشات، فأي فراشة مهما كانت جسارتها ووعيها إلا أن الطبع يغلب التطبع، إذ تظل الفراشات ذات ميول انتحارية، وستبتلع طُعم انكساره، وتنجذب لتوهّج ألمه، وستجرها غريزة الأمومة والرعاية خلفه؛ تُرتب فوضاه، وتلملم بعثرته، وتُداوي هزائمه، إلا أنّها إذا ازدادت به تمسكاً فستكتشف في نهاية المطاف أنها غدت مُجرد فراشة مُحنطة؛ مُتحجرة داخل بلورة من الكهرمان.
لأجلها قال: "وداعاً كراكاتو" وخلع عن نفسه الذاكرة البركانية التي كانت خامدة لمدة عشر سنين، ثم نشطت، وأحدثت أقوى انفجار بركاني قد تُحدثه ذاكرة، سمعته كل خلية في جسده، وارتعشت وجلاً وخوفاً، وتشنّج كل عصب فيه، عمّ الظلام حياته، انهال الرماد عليه، دُفن تحته مدة تزيد عن العشرين سنة، ثمّ قال وقد أطلق قدميه باتجاه كوخه عائداً: "ما أموتَ الأحياء في دُنيا الغياب، وما أبعثَ الأموات في سحر الأمل!".
ولا تتوقف الرواية عن تجريد الفرد من أثقاله الفكرية ليصل إلى الحقائق الكبرى.. التي غالباً تظهر للإنسان في عزلته، بعد تصالحه مع نفسه وتناغمه مع الكون، ليكون الإنسان صاحب الفطرة المتجرد الذي يملك عينين ليرى وقلباً ليفقه الأشياء، وعقلاً ليدرك البدايات والنهايات ويلمح علامات الطريق وهدايا القدر المدهشة.