هل يمكن التعبير عن القهر إلا بوصفه قهرًا؟؟ هل ينتهي الحديث عن الظلم والكبت والقمع لمجرد أن ثمة حكايات "عادية" و"متشابهة" تدور حولها المجتمعات البشرية باستمرار؟
يبدو أن للأدب رأي آخر، وفي هذه الرواية طريقة أخرى للتعبير عن ذلك "القهر" و"الظلم" المجتمعي الذي يبدأ بالمرأة ليجعلها أمثولة للعالم كله، رجالاً ونساءً كبارًا وصغارًا، يتساوى فيه من عاشوا حياة مترفة ومن عاشوا على الكفاف!
في روايتها الثالثة (خلف العالم ـ الصادرة مؤخرًا عن الدار العربية للعلوم ) تركز "سهام مرضي" ومنذ بداية الرواية، أنها تختلف عن "إيزابيل الليندي" في اختيار أبطال روايتها إذ تعلن انحيازها إلى "الطيبين أصحاب الرؤى النمطية" في الحياة من بين الحشود الباهتة والمتشابهة، الجماهير التي يختلط صوتها فيكون غالبًا صاخبًا وحشيًا لا يفهم لكنه مخيف،
وهكذا تراهن الكاتبة على أحقية بطلتها "نادية" في خوض غمار تجربة روائية، بل واختيارها هي بالذات للتعبير عن المجتمع وما يمارسه على الفرد البسيط المهمش، حتى الموت، بل وتدخل رهانًا آخر وتحديًا أكبر حينما تقتصر أحداث الرواية وأماكنها على غرفة "نادية" التي تجد نفسها فجأة محاطة بين جدرانها الأربعة، تلك الغرفة التي غدت بعد يومٍ أو يومين بمثابة المعادل الموضوعي للعالم الذي دارت "نادية" حوله طوال عمرها، لتكتشف أنها عاشت عمرها كله أسيرة "غرفة انتظار" كبيرة لم يعد بإمكانها الآن، بعد أن تخلت الحياة عنها إلا أن تستلم لمصيرها فيها ..
تبدو الرواية "كابوسية" إلى حدٍ ما، فثمة امرأة تموت خلف جدارٍ صلب، ولا أحد في "العالم" يشعر بها، وهي بذلك في الوقت نفسه تدق ناقوس الخطر، بشكل رمزي غير مباشر حيث تغدو تلك البطلة وعالمها المغلق معادلاً موضوعيًا لكل قصص القهر والكبت في المجتمع على اختلافها وتنوعها، أجادت سهام التعبير عن بطلتها بشتى الطرق، واستطاعت ببراعة خلال 100 صفحة أن تمسك بتلابيب القصة وتجر القارئ إلى عالم بطلتها مهما كان نمطيًا وعاديًا ليتحد تمامًا مع أزمتها ويعيش خلف العالم مراقبًا صامتًا ..
(كانت تشعر وهي تتحرك في غرفتها أنها تجر خلفها آلاف النساء الساكتات، يرتدين ثوبًا واحدًا ويبكين ويقطِّعن أيديهن، ولم تكن لتقودهن إلى أي مكان بل كانت تجلس وتنتظر، فهي لا تعرف أي طريق، والطرق لا تنادي أحدًا، ولا تسحب القاعدين، وكان هذا يناسبها، ويناسب فكرتها عن الصبر والقناعة)
.....
بقية المقال هنا:
****
شكرًا سهام مرضي :)
لم تخيبي ظنِّي أبدًا :)