أبناء الحرام
تأليف
ناصر متعب الجابري
(تأليف)
من العنوان «أبناء الحرام» يدرك القارئ ثقل الإحساس بالاختلاف الذي تعانيه هذه الفئة من الناس، والذين سيكون لهم أبناء الحلال والحظ السيء بالمرصاد، لا لشيء؛ فقط لأنهم ولدوا كـ «أبناء حرام». "أن تكون ابن حرام هذا يعني أن تُمنع من الحياة والموت معاً، يسلبونك الهوية في الدنيا، ويقذفونك بالإثم في ...الآخرة، وُلدت وقدري مكتوب سلفاً في قاموس ظنونهم".
بطل الرواية وراويها هو "عادل" الذي ترسله والدته إلى واحدة من دور الرعاية الاجتماعية لأنها لا تستطيع أن تتحمل نفقات ومشقة العناية به لظروف خاصة، ثم تتزوج مرة أخرى، يعيش الصبي في الدار من دون أن يعرف أهله، حتى اقتنع أنه ابن حرام ليس إلاّ... وهناك يبدأ بكتابة قصته وعندما يصير شاباً يلملم أوراقه التي أصبحت رواية ليبعث بها إلى من خفق قلبه لرؤيتها أول مرة لتقرأها: سأحكي لك من أنا، عن طفلٍ صغير رُمي من مُجتمعه قبل أن يُعزل في غُرف التوحّد، ذلك الغلام الذي يسير هادئاً كسحابة، ويُمطر كغيمة شتائية تُناجي حقول العالم، سأحكي لك عن شبابي المُستمر الذي لم تأخذ منه خصيلات السواد سوى مهابة إضافية، هل حكيت لكِ عن سرِّ الوجود؟" عن لماذا خُلق الحُبّ؟ هل كانت ليالي الحُبّ تلك كافية لأتحدث عن أنا وهيّ، الإنسان والتعمق فيه؟ لِما لقلبي لهفة تمرّد عن أسوار العواطف، ومن أي التُرب جاءت هي؟".
أغلقت "وعد" الرواية بعد أن قرأت مقدمتها، وذهبت تتأمل من غرفتها نجوم الليل الهادئة، "كُل هذا ولم يخبرني من هو؟! لقد اكتفيت من معاناتي معه، وعذاباتي المتتالية، والآن يُريد مني أن أتمعّن في فصول حكايته"... تساؤلات كثيرة جاءت في مخيلتها، محاولة فك شيفرات عديدة "قبور وقبور"، "الكاذب الأكبر"، "والرجل الذي قتلته مع أمجد..."، "والقصاص" و"الإعدام!" تابعت وعد القراءة، لا لأجل الرجوع إليه، بل للرجوع إلى وهج الغموض البرّاق بين دفتي رواية.
وعليه، سواء تقاطع ناصر متعب الجابري مع بطله عادل أو اختبأ خلفه، أو افترق عنه، فإنه قدم في «أبناء الحرام» نصاً روائياً سلساً، مشغولاً بحرفية، ذو لغة وجدانية، تُكثر السرد وتُقلّ الحوار في عالم مرجعي لا يقيم وزناً للإنسان وشؤونه وشجونه، فتغدو الكتابة خشبة الخلاص والوجه الآخر للحياة.