جدار لا يخفي الشمس
تأليف
فوزية مبارك
(تأليف)
"ممتنة أنا لذلك الجدار الذي لم يخفِ عني الشمس يا سدرتي، كانت الشمس تشرق كل يوم، ولم أشعر يوماً أنني فقدت صلتي بالشمس ونورها، ذلك الجدار كان دافئاً حتى في أبرد ليالي الشتاء، ذلك الجدار لا يخفي الشمس. اختلفت كل مشاعري تبدّلت، وتبلّدت. لم تمر تلك الشهور التسعة مرور الكرام، ...إنما حمّلتني ما لا طاقة لي بتحمّله. ولكن الأمر العجيب الذي يضحكني أنني لم أستقر يوماً، فحديثي هذا قد يتغير في ثوانٍ!. قد أُنكر كل ما جئت به من ألم وعذاب، يحدث معي هذا في ثوانٍ بل في أجزاء من الثواني. ليتني أضع يدي على هذا الشيء الذي يقلبني ويمرجّحني، ليتني أمسك به وأقتله، ولكنني لا أعلم أين يعيش، ولا من أين يستمد طاقته الهائلة التي تملأني في ثوانٍ".
ولما كانت الشخصية عنواناً لقدرة الكاتب على إبداع الرواية فإن منطوق العنوان الذي اختارته الروائية فوزية مبارك «جدار لا يخفي الشمس» يفترض فيما يفترضه من إيحاءات أن عالم الروي مشتق من شخصية البطلة الشبيهة بالشمس التي تبحث عبر نورها عن واقع آخر بديل؛ فيه متسع للمغامرة والسؤال واكتشاف المجهول من ذاتها وحياتها في آن.
والشخصية التي تدور في فلكها الرواية والتي تحتل موقع البؤرة في النص هي "هاجر" تعيش في بيئة تقليدية، أرادت جدتها أن تطهرها مثل جنين أرادت أن تعيد إخراجه للحياة فمكثت تسعة أشهر في حجرة، بلا لباس يقيها برد الشتاء ولا حرارة الصيف وبعد أن حلق والدها شعرها مكثت الفتاة تسعة أشهر أمضتها من أجل عقلية خرفة وطاعة عمياء لأوامر والديها. ولأن هذه الشخصية هي محور الرواية، فقد انصرفت الروائية بجلّ اهتمامها، وبما لديها من فنية للاعتماد على المونولوغ، نحو هذه الشخصية بالذات، "هاجر" فبدت شخصية حائرة كل حياتها تدور حول التفكير بهذا العالم الذي تراه من وراء جدار وتحاول تفسير كل ما يدور حولها وبذلك تحضر "هاجر" في النص عبر خطين خط الانتظار للخروج من هذا العالم المغلق "أجلس في بطن هذه الحجرة التي وضعني فيها والدي وحيدة دون سبب يقنعني..."، وخط العذاب "كانت الأيام تبدو كالسنين، لم أعرف عدد الساعات التي أنام فيها، ولم أكن أعلم كم ساعة أظل فيها مستيقظة، لم يكن شيئاً أفتخر به... لم يكن سهلاً أن أعيش كل تلك الشهور ظلماً وقهراً وجبراً..."، وهكذا يتحرك الخطان خط الانتظار وخط العذاب من خلال تحرك السرد بين الداخل والخارج يتحرك في الأول عبر تساؤلات البطلة وأحلامها من وراء جدار، ويرصد الثاني العالم الواقعي "القروي" الذي تدور حوله الحكاية. تستثمر الروائية هذه العناصر لتصور ألوان العذاب والاغتراب الداخلي الذي تعيشه البطلة وأبعاده النفسية والذي لا يتعدى أن يكون بوحاً بما تضطرب به ذاتها، من أفكار، وذكريات يائسة، وبحث في زمنٍ ضائع.